تفسير القرطبي (صفحة 6339)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْكُفَّارِ ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا (فاكِهِينَ) أَيْ ذَوِي فَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ فَاكِهٌ أَيْ ذُو فَاكِهَةٍ، كَمَا يُقَالُ: لَابِنٌ وَتَامِرٌ، أَيْ ذُو لَبَنٍ وَتَمْرٍ، قَالَ (?):

وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّ ... كَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ

أَيْ ذُو لَبَنٍ وَتَمْرٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: (فَكِهِينَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ وَمَعْنَاهُ مُعْجَبِينَ نَاعِمِينَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، يُقَالُ: فَكِهَ الرَّجُلِ بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِهٌ إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْسِ مزاحا: والفكه أيضا الأشر البطر. وفد مَضَى فِي (الدُّخَانِ) (?) الْقَوْلُ فِي هَذَا. (بِما آتاهُمْ) أَيْ أَعْطَاهُمْ (رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). (كُلُوا وَاشْرَبُوا) أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ. (هَنِيئاً) الهني مَا لَا تَنْغِيصَ فِيهِ وَلَا نَكَدَ وَلَا كَدَرَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لِيَهْنِئَكُمْ مَا صِرْتُمْ إِلَيْهِ (هَنِيئاً). وَقِيلَ: أَيْ مُتِّعْتُمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ إِمْتَاعًا هَنِيئًا. وَقِيلَ: أَيْ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِئْتُمْ (هَنِيئاً) فَهُوَ صِفَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: (هَنِيئاً) أَيْ حَلَالًا. وَقِيلَ: لَا أَذَى فِيهِ وَلَا غَائِلَةَ. وَقِيلَ: (هَنِيئاً) أَيْ لَا تَمُوتُونَ، فَإِنَّ مَا لَا يَبْقَى أَوْ لَا يَبْقَى الإنسان معه منغص غير هنئ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ) سُرُرٌ جَمْعُ سَرِيرٍ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: مُتَّكِئِينَ عَلَى نَمَارِقَ سُرُرٍ. (مَصْفُوفَةٍ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَيْ مَوْصُولَةٌ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ صَفًّا. وَفِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا تُصَفُّ فِي السَّمَاءِ بِطُولِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ لَهُ، فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا عَادَتْ إِلَى حَالِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ سُرُرٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَالسَّرِيرُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ. (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ. قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ زَوَّجْتُهُ امْرَأَةً وَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ. قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) (?) أَيْ وَقُرَنَاءَهُمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ لُغَةٌ فِي أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَقَدْ مضى القول في معنى الحور العين (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015