تفسير القرطبي (صفحة 6311)

نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَيْنِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَمْضُونَ إِلَى قُبَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَأَنَّهُ عَدَّ هُجُوعَهُمْ قَلِيلًا فِي جَنْبِ يَقَظَتِهِمْ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُطَرِّفٌ: قَلَّ لَيْلَةً لَا تَأْتِي عَلَيْهِمْ إِلَّا يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهَا إِمَّا مِنْ أَوَّلِهَا وَإِمَّا مِنْ وَسَطِهَا. الثَّانِيَةُ- رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَهَجِّدِينَ أَنَّهُ أَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَأَنْشَدَهُ:

وَكَيْفَ تَنَامُ اللَّيْلَ عَيْنٌ قَرِيرَةٌ ... وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِ الْمَجَالِسِ تَنْزِلُ

وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَزْدِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ لَا أَنَامُ اللَّيْلَ فَنِمْتُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَنَا بِشَابَّيْنِ أَحْسَنَ مَا رَأَيْتُ وَمَعَهُمَا حُلَلٌ، فَوَقَفَا عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَكَسَوَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ انْتَهَيَا إِلَى النِّيَامِ فَلَمْ يَكْسُوَاهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمَا: اكْسُوَانِي مِنْ حللكما هذا، فَقَالَا لِي: إِنَّهَا لَيْسَتْ حُلَّةَ لِبَاسٍ إِنَّمَا هِيَ رِضْوَانُ اللَّهِ يَحُلُّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي خَلَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ مُثِّلَتْ لِيَ الْقِيَامَةُ، فَنَظَرْتُ إِلَى أَقْوَامٍ مِنْ إِخْوَانِي قَدْ أَضَاءَتْ وُجُوهُهُمْ، وَأَشْرَقَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَعَلَيْهِمُ الْحُلَلُ مِنْ دُونِ الْخَلَائِقِ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ مُكْتَسُونَ وَالنَّاسُ عُرَاةٌ، وَوُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ وَوُجُوهُ النَّاسِ مُغْبَرَّةٌ! فَقَالَ لِي قَائِلٌ: الَّذِينَ رَأَيْتَهُمْ مُكْتَسُونَ فَهُمُ الْمُصَلُّونَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَالَّذِينَ وُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ فَأَصْحَابُ السَّهَرِ وَالتَّهَجُّدِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ أَقْوَامًا عَلَى نَجَائِبَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ رُكْبَانًا وَالنَّاسُ مُشَاةٌ حُفَاةٌ؟ فَقَالَ لِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الثَّوَابِ، قَالَ: فَصِحْتُ فِي مَنَامِي: وَاهًا لِلْعَابِدِينَ، مَا أَشْرَفَ مَقَامَهُمْ! ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ مِنْ مَنَامِي وَأَنَا خائف. الثالثة- قوله تعالى: (بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) مَدْحٌ ثَانٍ، أَيْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالسَّحَرُ وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. وَقَدْ مَضَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) (?) الْقَوْلُ فِيهِ. وقال ابن عمرو مجاهد: أَيْ يُصَلُّونَ وَقْتَ السَّحَرِ فَسَمَّوُا الصَّلَاةَ اسْتِغْفَارًا. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) مَدُّوا الصَّلَاةَ مِنْ أول الليل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015