تفسير القرطبي (صفحة 6292)

[سورة ق (50): الآيات 30 الى 35]

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ (يَوْمَ يَقُولُ) بِالْيَاءِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: (لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ). الْبَاقُونَ بِالنُّونِ عَلَى الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ نُونُ الْعَظَمَةِ «1». وَقَرَأَ الْحَسَنُ (يَوْمَ أَقُولُ). وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ (يَوْمَ يُقَالُ). وَانْتَصَبَ (يَوْمَ) عَلَى مَعْنَى مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يَوْمَ. وَقِيلَ: بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْنَاهُ: وَأَنْذِرْهُمْ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) لِمَا سَبَقَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا. وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّصْدِيقِ لِخَبَرِهِ، وَالتَّحْقِيقِ لِوَعْدِهِ، وَالتَّقْرِيعِ لِأَعْدَائِهِ، وَالتَّنْبِيهِ لِجَمِيعِ عِبَادِهِ. (وَتَقُولُ) جَهَنَّمُ (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أَيْ مَا بَقِيَ فِيَّ مَوْضِعٌ لِلزِّيَادَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ أَوْ مَنْزِلٍ) أَيْ مَا تَرَكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ الْجَحْدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ، أَيْ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَأَزْدَادُ؟. وَإِنَّمَا صَلَحَ هَذَا لِلْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ الْجَحْدِ. وَقِيلَ: لَيْسَ ثَمَّ قَوْلٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمِثْلِ، أَيْ إِنَّهَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهَا بِمَنْزِلَةِ النَّاطِقَةِ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي

وَهَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ. أَيْ هَلْ فِيَّ مِنْ مَسْلَكٍ قَدِ امْتَلَأْتُ. وَقِيلَ: يُنْطِقُ اللَّهُ النَّارَ حَتَّى تَقُولَ هَذَا كَمَا تَنْطِقُ الْجَوَارِحُ. وَهَذَا أَصَحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ (الْفُرْقَانِ) «2». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015