وَهُوَ الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ، وَكَانَ مِنَ الْجَرَّارِينَ يَجُرُّ عَشَرَةَ آلَافِ قَنَاةٍ، أَيْ يَتْبَعُهُ، وَكَانَ اسْمُهُ حُذَيْفَةَ وَسُمِّيَ عُيَيْنَةَ لِشَتَرٍ «1» كَانَ فِي عَيْنَيْهِ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي عُيَيْنَةَ هَذَا أَنَّهُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ" وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" «2» [الكهف: 28]. وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ" الْأَعْرَافِ" مِنْ قَوْلِهِ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ «3»، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ وَفَدُوا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاقِدٌ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إلينا، فاستيقظ وخرج، ونزلت. وسيل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:] هُمْ جُفَاةُ بَنِي تَمِيمٍ لَوْلَا أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِتَالًا لِلْأَعْوَرِ الدَّجَّالِ لَدَعَوْتُ اللَّهَ عليهم أن يهلكهم [. والحجرات جمع الحجرة، كَالْغُرُفَاتِ جَمْعِ غُرْفَةٍ، وَالظُّلُمَاتِ جَمْعِ ظُلْمَةٍ. وَقِيلَ: الْحُجُرَاتُ جَمْعُ الْحُجَرِ، وَالْحُجَرُ جَمْعُ حُجْرَةٍ، فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَفِيهِ لُغَتَانِ ضَمُّ الْجِيمِ وَفَتْحُهَا «4». قَالَ:
وَلَمَّا رَأَوْنَا بَادِيًا رُكَبَاتُنَا ... عَلَى مَوْطِنٍ لَا نَخْلِطُ الْجِدَّ بِالْهَزْلِ
وَالْحُجْرَةُ: الرُّقْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمَحْجُورَةِ بِحَائِطٍ يُحَوِّطُ عَلَيْهَا. وَحَظِيرَةُ الْإِبِلِ تُسَمَّى الْحُجْرَةُ، وَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ" الْحُجَرَاتِ" بِفَتْحِ الْجِيمِ استثقالا للضمتين. وقرى" الْحُجْرَاتِ" بِسُكُونِ الْجِيمِ تَخْفِيفًا. وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ الْمَنْعُ. وَكُلُّ مَا مَنَعْتَ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَجَرْتَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُنَادِي بَعْضًا مِنَ الْجُمْلَةِ فَلِهَذَا قَالَ:" أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" أَيْ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ جُمْلَةِ قوم الغالب عليهم الجهل.
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
أَيْ لَوِ انتظروا خروجك لكان أصلح لهم فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِبُ عَنِ النَّاسِ إِلَّا فِي أوقات يشتغل فيها بِمُهِمَّاتِ نَفْسِهِ، فَكَانَ إِزْعَاجُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ