تفسير القرطبي (صفحة 6224)

[تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ]

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الحجرات (49): آيَةً 1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" قال العلماء: كان في العرب جَفَاءٌ وَسُوءُ أَدَبٍ فِي خِطَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلْقِيبِ النَّاسِ. فَالسُّورَةُ فِي الْأَمْرِ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَرِعَايَةِ الْآدَابِ. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ:" لَا تَقَدَّمُوا" بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ مِنَ التَّقَدُّمِ. الْبَاقُونَ" تُقَدِّمُوا" بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ مِنَ التَّقْدِيمِ. وَمَعْنَاهُمَا ظَاهِرٌ، أَيْ لَا تُقَدِّمُوا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَقَوْلِ رَسُولِهِ وَفِعْلِهِ فِيمَا سَبِيلُهُ أَنْ تَأْخُذُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. وَمَنْ قَدَّمَ قَوْلَهُ أَوْ فِعْلَهُ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ قَدَّمَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَأْمُرُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى أَقْوَالٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ- مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ. وَقَالَ عُمَرُ: أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. وَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَتَمَادَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015