تفسير القرطبي (صفحة 6221)

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ" حَتَّى بَلَغَ" يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ". فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: لَقَدْ أَحْسَنَ مَالِكٌ فِي مَقَالَتِهِ وَأَصَابَ فِي تَأْوِيلِهِ. فَمَنْ نَقَّصَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَبْطَلَ شَرَائِعَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ" الْآيَةَ. وَقَالَ:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" [الفتح: 18] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ، وَالشَّهَادَةَ لَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالْفَلَاحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" (?) [الْأَحْزَابِ: 23]. وَقَالَ:" لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً- إِلَى قوله- أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"»

[الحشر: 8]، ثم قال عز من قائل:" وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (?) [الحشر: 9]. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ عِلْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَالِهِمْ وَمَآلِ أَمْرِهِمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ [وَقَالَ:] لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ وَلَا نَصِيفَهُ [خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:] فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مَا فِي الْأَرْضِ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ [. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا نِصْفَ الْمُدِّ، فَالنَّصِيفُ هُوَ النِّصْفُ هُنَا. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْعُشْرِ عَشِيرٌ، وَلِلْخُمُسِ خَمِيسٌ، وَلِلتُّسُعِ تَسِيعٌ، وَلِلثُّمُنِ ثَمِينٌ، وَلِلسُّبُعِ سَبِيعٌ، وَلِلسُّدُسِ سَدِيسٌ، وَلِلرُّبُعِ رَبِيعٌ. وَلَمْ تَقُلِ الْعَرَبُ لِلثُّلُثِ ثَلِيثٌ. وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا صَحِيحًا:] إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا- فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي [. وَقَالَ:] فِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ [. وَرَوَى عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابِي فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَخْتَانًا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015