تفسير القرطبي (صفحة 6216)

وَيَسْتَوِي لَفْظُ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِيهِ. وَقِيلَ: أَيْ لِيُظْهِرَ رَسُولَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، أَيْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي هُوَ شَرَعَهُ بِالْحُجَّةِ ثُمَّ بِالْيَدِ وَالسَّيْفِ، وَنَسَخَ مَا عَدَاهُ." وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً"" شَهِيداً" نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهَادَتُهُ لَهُ تُبَيِّنُ صِحَّةَ نُبُوَّتِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ. وَقِيلَ:" شَهِيداً" عَلَى مَا أُرْسِلَ بِهِ، لِأَنَّ الكفار أبو اأن يَكْتُبُوا: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

[سورة الفتح (48): آية 29]

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"" مُحَمَّدٌ" مُبْتَدَأٌ وَ" رَسُولُ" خَبَرُهُ. وَقِيلَ:" مُحَمَّدٌ" ابْتِدَاءٌ وَ" رَسُولُ اللَّهِ" نَعْتُهُ." وَالَّذِينَ مَعَهُ" عَطْفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى" رَسُولُ اللَّهِ". وَعَلَى الْأَوَّلِ يُوقَفُ عَلَى" رَسُولُ اللَّهِ"، لِأَنَّ صِفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَزِيدُ عَلَى مَا وَصَفَ به أصحابه، فيكون" محمد" ابتداء و" رَسُولُ اللَّهِ" الخبر" وَالَّذِينَ مَعَهُ" ابتداء ثان. و" أَشِدَّاءُ" خبره و" رُحَماءُ" خَبَرٌ ثَانٍ. وَكَوْنُ الصِّفَاتِ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَشْبَهُ. قال ابن عباس: أهل الحديبية أشداء على الكفار، أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. وقيل: المراد ب" الَّذِينَ مَعَهُ" جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ." رُحَماءُ بَيْنَهُمْ" أَيْ يَرْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015