الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَصْدَرُ ضَرَرْتُهُ ضَرًّا. وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا يَنَالُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْهُزَالِ وَسُوءِ الْحَالِ. وَالْمَصْدَرُ يُؤَدِّي عَنِ الْمَرَّةِ وَأَكْثَرُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، قَالَا: لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالنَّفْعِ وَهُوَ ضِدُّ الضَّرِّ. وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، كَالْفَقْرِ وَالْفُقْرِ وَالضَّعْفِ وَالضُّعْفِ." أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً" أَيْ نَصْرًا وَغَنِيمَةً. وَهَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ حِينَ ظَنُّوا أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنِ الرَّسُولِ يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع.
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً" وذلك أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ «1» رَأْسٍ لَا يَرْجِعُونَ." وَزُيِّنَ ذلِكَ" أَيِ النِّفَاقُ." فِي قُلُوبِكُمْ" وَهَذَا التَّزْيِينُ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ يَخْلُقُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ." وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ" أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ." وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً" أَيْ هَلْكَى، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَاسِدِينَ لَا يَصْلُحُونَ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبُورُ: الرَّجُلُ الْفَاسِدُ الْهَالِكُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ:
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي ... رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ
وَامْرَأَةٌ بُورٌ أَيْضًا، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَوْمٌ بُورٌ هَلْكَى. قَالَ تَعَالَى:" وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً" وَهُوَ جَمْعُ بَائِرٍ، مِثْلُ حَائِلٍ وَحُولٍ. وَقَدْ بَارَ فُلَانٌ أَيْ هَلَكَ. وَأَبَارَهُ اللَّهُ أَيْ أَهْلَكَهُ. وَقِيلَ:" بُوراً" أَشْرَارًا، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
لَا يَنْفَعُ الطُّولُ مِنْ نُوكِ الرِّجَالِ وَقَدْ ... يَهْدِي الْإِلَهُ سَبِيلَ الْمَعْشَرِ الْبُورِ «2»
أي الهالك.