يُمْلِي لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا عَدَلَ إِلَى الضَّمِّ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ" وَأَمْلَى لَهُمْ" فَالْفَاعِلُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ الشَّيْطَانُ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُومٌ، لِقَوْلِهِ:" لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ" «1» [الفتح: 9] رَدَّ التَّسْبِيحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَالتَّوْقِيرَ وَالتَّعْزِيرَ على اسم الرسول.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا" أَيْ ذَلِكَ الْإِمْلَاءُ لَهُمْ حَتَّى يَتَمَادَوْا فِي الْكُفْرِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ." لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نزل الله" وَهُمْ مُشْرِكُونَ" سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ" أَيْ فِي مُخَالَفَةِ مُحَمَّدٍ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى عَدَاوَتِهِ، وَالْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مَعَهُ وَتَوْهِينِ أَمْرِهِ فِي السِّرِّ. وَهُمْ إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ سِرًّا فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" أَسْرَارَهُمْ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، جَمْعُ سِرٍّ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ" إِسْرارَهُمْ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ، نَحْوُ قوله تعالى:" وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً" «2» [نوح: 9] جمع لاختلاف ضروب السر.
[سورة محمد (47): آية 27]
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَكَيْفَ" أَيْ فَكَيْفَ تَكُونُ حَالُهُمْ." إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ" أَيْ ضَارِبِينَ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ، أَيْ إِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ فَإِلَى انْقِضَاءِ العمر. وقد مضى في" الأنفال والنحل" «3». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُتَوَفَّى أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ إِلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ لِوَجْهِهِ وَقَفَاهُ. وَقِيلَ: ذلك عند القتال نصرة لرسول الله