الْقِرْشَبُّ (بِكَسْرِ الْقَافِ): الْمُسِنُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ. وَأَقْفَلَهُ الصَّوْمُ أَيْ أَيْبَسَهُ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ. فَالْأَقْفَالُ ها هنا إشارة إلى ارتتاج الْقَلْبِ وَخُلُوِّهِ عَنِ الْإِيمَانِ. أَيْ لَا يَدْخُلُ قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا الْكُفْرُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَقَالَ:" عَلى قُلُوبٍ" لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى قُلُوبِهِمْ لَمْ يَدْخُلْ قَلْبُ غَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَالْمُرَادُ أَمْ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ وَقُلُوبِ مَنْ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَقْفَالُهَا. الثَّالِثَةُ- فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَذَاكَ لَكِ- ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ" فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها" [. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: مَعْنَى الْآيَةِ فَلَعَلَّكُمْ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْكُمْ، إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ أَنْ تَعُودُوا إِلَى الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَيْفَ رَأَيْتُمُ الْقَوْمَ حِينَ تَوَلَّوْا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى! أَلَمْ يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ الْحَرَامَ وَيَقْطَعُوا الْأَرْحَامَ وَعَصَوُا الرَّحْمَنَ. فَالرَّحِمُ عَلَى هَذَا رَحِمُ دِينِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، الَّتِي قَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ إِخْوَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (?). وَعَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ، وَالْمُرَادُ مَنْ أَضْمَرَ مِنْهُمْ نِفَاقًا، فَأَشَارَ بِقَطْعِ الرَّحِمِ إِلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَرَابَةِ بِتَكْذِيبِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقِتَالَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالرَّحِمُ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدين، ويجب مُوَاصَلَتَهَا بِمُلَازَمَةِ الْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ لِأَهْلِهِ وَنُصْرَتِهِمْ، وَالنَّصِيحَةِ وَتَرْكِ مُضَارَّتِهِمْ وَالْعَدْلَ بَيْنَهُمْ، وَالنَّصَفَةَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمُ الْوَاجِبَةِ، كَتَمْرِيضِ الْمَرْضَى وَحُقُوقِ الْمَوْتَى مِنْ غُسْلِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَدَفْنِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ] الْحُقُوقِ [الْمُتَرَتِّبَةِ لَهُمْ. وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ رَحِمُ الْقَرَابَةِ مِنْ طَرَفَيِ الرَّجُلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَتَجِبُ لَهُمُ الْحُقُوقُ الْخَاصَّةِ وَزِيَادَةٌ، كَالنَّفَقَةِ وتفقد أحوالهم،