وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ" أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ، وَزُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ عَمَلِهِمْ قَوْمٌ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ: عَبْدُ اللَّهِ بن أبي ابن سَلُولٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ وَزَيْدُ بْنُ الصَّلِيتِ «1» وَالْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ دَخْشَمٍ، كَانُوا يَحْضُرُونَ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا سَمِعُوا ذِكْرَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا أَعْرَضُوا عَنْهُ، فَإِذَا خَرَجُوا سَأَلُوا عَنْهُ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ. وَقِيلَ: كَانُوا يَحْضُرُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَسْتَمِعُونَ مِنْهُ مَا يَقُولُ، فَيَعِيَهُ الْمُؤْمِنُ وَلَا يَعِيَهُ الْكَافِرُ." حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ" أَيْ إِذَا فَارَقُوا مَجْلِسَكَ." قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" قَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ مِمَّنْ يُسْأَلُ، أَيْ كُنْتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هُوَ أَبُو الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهُمُ الصَّحَابَةُ." مَاذَا قالَ آنِفاً" أَيِ الْآنَ، عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ. أَيْ أَنَا لَمْ أَلْتَفِتْ إِلَى قوله. و" آنِفاً" يُرَادُ بِهِ السَّاعَةَ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ إِلَيْكَ، مِنْ قَوْلِكَ: اسْتَأْنَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا ابْتَدَأْتَ بِهِ. وَمِنْهُ أَمْرٌ أُنُفٌ، وَرَوْضَةٌ أُنُفٌ، أَيْ لَمْ يَرْعَهَا أَحَدٌ. وَكَأْسٌ أُنُفٌ: إِذَا لَمْ يشرب منها شي، كَأَنَّهُ اسْتُؤْنِفَ شُرْبُهَا مِثْلُ رَوْضَةٍ أُنُفٍ. قَالَ الشاعر: «2»
وَيَحْرُمُ سِرُّ جَارَتِهِمْ عَلَيْهِمْ ... وَيَأْكُلُ جَارُهُمْ أَنْفَ القصاع