تفسير القرطبي (صفحة 615)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ"" إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَلَمْ تَنْصَرِفْ لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَإِنْ شِئْتَ صَرَفْتَ" إِسْحَاقَ" وَجَعَلْتَهُ مِنَ السَّحْقِ، وَصَرَفْتَ" يَعْقُوبَ" وَجَعَلْتَهُ مِنَ الطَّيْرِ. وَسَمَّى اللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَمِّ وَالْجَدِّ أَبًا، وَبَدَأَ بِذِكْرِ الْجَدِّ ثُمَّ إِسْمَاعِيلَ العم لأنه أكبر من إسحاق. و" إِلهاً" بَدَلٌ مِنْ" إِلهَكَ" بَدَلَ النَّكِرَةِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَكَرَّرَهُ لِفَائِدَةِ الصِّفَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. وَقِيلَ:" إِلهاً" حَالٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ الْغَرَضَ إِثْبَاتُ حَالِ الْوَحْدَانِيَّةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ وَالْجَحْدَرِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ" وَإِلَهَ أَبِيكَ" وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ أَفْرَدَ وَأَرَادَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ إِسْمَاعِيلَ أَبًا لِأَنَّهُ عَمَّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَجِبُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا. الثَّانِي- عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ" أَبِيكَ" جَمْعُ سَلَامَةٍ، حَكَى سِيبَوَيْهِ أَبٌ وَأَبُونَ وَأَبِينَ، كَمَا قال الشاعر:

فقلنا أسلموا إن أَخُوكُمْ «1»

وَقَالَ آخَرُ:

فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتَنَا ... بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالْأَبِينَا «2»

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الحال، والعامل" نَعْبُدُ".

[سورة البقرة (?): آية 134]

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015