تفسير القرطبي (صفحة 6142)

فِي الْإِسَاءَةِ يُجَازَوْنَ فِي الْإِحْسَانِ مِثْلُ الْإِنْسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَدْ قَالَ الضَّحَّاكُ: الْجِنُّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا" «1» [الانعام: 132] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لِأَنَّهُ قال في أول الآية:"امَعْشَرَ

«2» ْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي- إِلَى أَنْ قَالَ- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا" [الانعام: 132 - 130]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي سُورَةِ" الرَّحْمَنِ" «3» مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

[سورة الأحقاف (46): آية 32]

وَمَنْ لَا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمَنْ لَا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ" أَيْ لَا يَفُوتُ اللَّهَ وَلَا يَسْبِقُهُ" وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ" أَيْ أَنْصَارٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ." أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ".

[سورة الأحقاف (46): آية 33]

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ" الرُّؤْيَةُ هُنَا بِمَعْنَى العلم. و" أَنَّ" وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ مَفْعُولَيِ الرُّؤْيَةِ." وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى " احتجاج على منكري البعث. وَمَعْنَى" لَمْ يَعْيَ" يَعْجَزُ وَيَضْعُفُ عَنْ إِبْدَاعِهِنَّ. يُقَالُ: عَيَّ بِأَمْرِهِ وَعَيِيَ إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِوَجْهِهِ، وَالْإِدْغَامُ أَكْثَرُ. وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ عَيُوا، مخففا، وعيوا أيضا بالتشديد. قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015