تفسير القرطبي (صفحة 6088)

طَرِيقٌ إِلَى الْحَقِّ. الْكَلْبِيُّ: السُّنَّةُ، لِأَنَّهُ يَسْتَنُّ بِطَرِيقَةِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. ابْنُ زَيْدٍ: الدِّينُ، لِأَنَّهُ طَرِيقُ النَّجَاةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَمْرُ يَرِدُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا- بِمَعْنَى الشَّأْنِ كَقَوْلِهِ:" فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ" «1» [هود: 97]. وَالثَّانِي- أَحَدُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الَّذِي يُقَابِلُهُ النَّهْيُ. وكلاهما يصح أن يكون مرادا ها هنا، وَتَقْدِيرُهُ: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى طَرِيقَةٍ «2» مِنَ الدِّينِ وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" «3» [النحل: 123]. وَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرَائِعِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْمَكَارِمِ وَالْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الْفُرُوعِ حَسْبَمَا عَلَّمَهُ سُبْحَانَهُ. الثانية- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَنَّ بَعْضُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَرِيعَةٍ، وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتَهُ مُنْفَرِدَانِ بِشَرِيعَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ هَلْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ. وَعَنْهُ: نَزَلَتْ لَمَّا دَعَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى دِينِ آبائه.

[سورة الجاثية (45): آية 19]

إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً" أَيْ إِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ لَا يَدْفَعُونَ عَنْكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا." وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ" أَيْ أَصْدِقَاءٌ وَأَنْصَارٌ وَأَحْبَابٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَوْلِيَاءُ الْيَهُودِ." وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" أَيْ نَاصِرُهُمْ وَمُعِينُهُمْ. وَالْمُتَّقُونَ هُنَا: الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ والمعاصي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015