قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ" يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ" وَابْعَثْ فِي آخِرِهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ". وَقَدْ رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: (نَعَمْ أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وبشرى عيسى). و" رَسُولًا" أَيْ مُرْسَلًا، وَهُوَ فَعُولٌ مِنَ الرِّسَالَةِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مِرْسَالٌ وَرَسْلَةٌ، إِذَا كَانَتْ سَهْلَةَ السَّيْرِ مَاضِيَةً أَمَامَ النُّوقِ. وَيُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ الْمُهْمَلَةِ المرسلة: رسل، وجمه أَرْسَالٌ. يُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ أَرْسَالًا، أَيْ بَعْضُهُمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلَّبَنِ رِسْلٌ، لِأَنَّهُ يُرْسَلُ مِنَ الضَّرْعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ"" الكتاب" القرآن و" الحكمة": الْمَعْرِفَةَ بِالدِّينِ، وَالْفِقْهِ فِي التَّأْوِيلِ، وَالْفَهْمِ الَّذِي هُوَ سَجِيَّةٌ وَنُورٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَهُ مَالِكٌ، وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:" الْحِكْمَةُ" السُّنَّةُ وَبَيَانُ الشَّرَائِعِ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ خَاصَّةً، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَنُسِبَ التَّعْلِيمُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُعْطِي الْأُمُورَ الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا، وَيَعْلَمُ طَرِيقَ النَّظَرِ بِمَا يُلْقِيهِ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ." وَيُزَكِّيهِمْ" أَيْ يُطَهِّرُهُمْ مِنْ وَضَرِ (?) الشِّرْكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ. وَالزَّكَاةُ: التَّطْهِيرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ (?). وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَاتِ تِلَاوَةُ ظَاهِرِ الْأَلْفَاظِ. وَالْكِتَابُ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ. وَالْحِكْمَةُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ بِالْخِطَابِ مِنْ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ، وَمُفَسَّرٍ وَمُجْمَلٍ، وَعُمُومٍ وَخُصُوصٍ، وَهُوَ مَعْنَى مَا تقدم، والله تعالى أعلم." وَالْعَزِيزُ" مَعْنَاهُ الْمَنِيعُ الَّذِي لَا يُنَالُ وَلَا يُغَالَبُ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يعجزه شي، دَلِيلُهُ:" وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ (?) ". الْكِسَائِيُّ:" الْعَزِيزُ" الْغَالِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (?) ". وَفِي الْمَثَلِ:" مَنْ عَزَّ بَزَّ" أَيْ مَنْ غَلَبَ سَلَبَ. وَقِيلَ:" الْعَزِيزُ" الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ، بَيَانُهُ" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (?) ". وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي اسْمِهِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ" الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى" وقد تقدم معنى" الحكيم (?) " والحمد الله.