تفسير القرطبي (صفحة 6071)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ"" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعِ عَطْفٍ عَلَى" قَوْمُ تُبَّعٍ"." أَهْلَكْناهُمْ" صِلَتُهُ. وَيَكُونُ" مِنْ قَبْلِهِمْ" مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" مِنْ قَبْلِهِمْ" صِلَةَ" الَّذِينَ" وَيَكُونُ فِي الظَّرْفِ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ" أَهْلَكْناهُمْ" عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ مَعَهُ" قَدْ" فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. أَوْ يُقَدَّرُ حَذْفٌ مَوْصُوفٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَوْمٌ أَهْلَكْنَاهُمْ. وَالتَّقْدِيرُ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَنَّا إِذَا قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاكِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ قَدَرْنَا عَلَى إِهْلَاكِ الْمُشْرِكِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" ابْتِدَاءٌ خَبَرُهُ" أَهْلَكْناهُمْ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى" تُبَّعٍ" كَأَنَّهُ قَالَ: قَوْمُ تُبَّعٍ الْمُهْلِكِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ" أَهْلَكْناهُمْ". وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ" أَيْ غَافِلِينَ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وقيل: لاهين، وهو قول الكلبي." وما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ" أَيْ إِلَّا بِالْأَمْرِ الْحَقِّ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقِيلَ: إِلَّا لِلْحَقِّ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ والحسن. وقيل: إلا لإقامة الحق وإظهاره مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْتِزَامِ طَاعَتِهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْأَنْبِيَاءِ" «1»." وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ" يَعْنِي أكثر الناس." لا يَعْلَمُونَ" ذلك.

[سورة الدخان (44): آية 40]

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)

" يَوْمَ الْفَصْلِ" هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ خَلْقِهِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ" «2» [الممتحنة: 3]. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ" «3» [الروم: 14]. فَ" يَوْمَ الْفَصْلِ" مِيقَاتُ الْكُلِّ، كَمَا قَالَ تعالى:" إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً" «4» [النبأ: 17] أَيِ الْوَقْتُ الْمَجْعُولُ لِتَمْيِيزِ الْمُسِيءِ مِنَ الْمُحْسِنِ، وَالْفَصْلِ بَيْنَهُمَا: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّحْذِيرِ وَالْوَعِيدِ. وَلَا خلاف بين القراء في رفع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015