قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَدَعا رَبَّهُ" فِيهِ حَذْفٌ، أَيْ فَكَفَرُوا فَدَعَا رَبَّهُ." أَنَّ هؤُلاءِ" بِفَتْحِ" أَنْ" أَيْ بِأَنْ هَؤُلَاءِ." قَوْمٌ مُجْرِمُونَ" أَيْ مُشْرِكُونَ، قَدِ امْتَنَعُوا مِنْ إِطْلَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الايمان.
فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الاولى- قوله تعالى:" فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا" أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي، أَيْ بِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ." لَيْلًا" أَيْ قَبْلَ الصَّبَاحِ." إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ" وَقَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ" فَاسْرِ" بِوَصْلِ الْأَلِفِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ، مِنْ سَرَى. الْبَاقُونَ" فَأَسْرِ" بِالْقَطْعِ، مِنْ أَسْرَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ «1». وَتَقَدَّمَ خُرُوجُ فِرْعَوْنَ وَرَاءَ مُوسَى فِي" الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَطَه وَالشُّعَرَاءِ وَيُونُسَ" «2» وَإِغْرَاقُهُ وَإِنْجَاءُ مُوسَى، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ. الثَّانِيَةُ- أُمِرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْخُرُوجِ لَيْلًا. وَسَيْرُ اللَّيْلِ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ خَوْفٍ، وَالْخَوْفٍ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ: إِمَّا مِنَ الْعَدُوِّ فَيَتَّخِذُ اللَّيْلُ سِتْرًا مُسْدِلًا، فَهُوَ مِنْ أَسْتَارِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِمَّا مِنْ خَوْفِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَبْدَانِ بِحَرٍّ أَوْ جَدْبٍ، فَيُتَّخَذُ السُّرَى مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرِي وَيُدْلِجُ «3» ويترفق وَيَسْتَعْجِلُ، بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيِهَا) «4». وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ" النَّحْلِ" «5»، والحمد لله.
[سورة الدخان (44): آية 24]
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)