تفسير القرطبي (صفحة 6053)

فَخَامَةً بِأَنْ قَالَ: أَعْنِي بِهَذَا الْأَمْرِ أَمْرًا حَاصِلًا مِنْ عِنْدِنَا، كَائِنًا مِنْ لَدُنَّا، وَكَمَا اقْتَضَاهُ عِلْمُنَا وَتَدْبِيرُنَا. وَفِي قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ" أَمْرٌ مِنْ عِنْدِنَا" عَلَى هُوَ أَمْرٌ، وَهِيَ تَنْصُرُ انْتِصَابَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" رَحْمَةٌ" عَلَى تِلْكَ هِيَ رَحْمَةٌ، وَهِيَ تَنْصُرُ انتصابها بأنه مفعول له.

[سورة الدخان (44): الآيات 7 الى 9]

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ" رَبِّ" بِالْجَرِّ. الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ" إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. أو يكون خبر ابتداء محذوف، تقديره: هو رب السموات وَالْأَرْضِ. وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ" رَبِّكَ" وَكَذَلِكَ" رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" بِالْجَرِّ فِيهِمَا، رَوَاهُ الشَّيْزَرِيُّ «1» عَنِ الْكِسَائِيِّ. الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِطَابُ مَعَ المعترف بأن الله خلق السموات وَالْأَرْضَ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ بِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ الرُّسُلَ، وَيُنْزِلَ الْكُتُبَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ لَا يَعْتَرِفُ أَنَّهُ الْخَالِقُ، أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ الْخَالِقُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَقِيلَ: الموقن ها هنا هُوَ الَّذِي يُرِيدُ الْيَقِينَ وَيَطْلُبُهُ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ يُنْجِدُ، أَيْ يُرِيدُ نَجْدًا. وَيُتْهِمُ، أَيْ يُرِيدُ تِهَامَةَ." لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ" أَيْ هُوَ خَالِقُ الْعَالَمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ على خلق شي. و" هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ" أَيْ يُحْيِي الْأَمْوَاتَ وَيُمِيتُ الْأَحْيَاءَ." رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" أَيْ مَالِكُكُمْ وَمَالِكُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْكُمْ. وَاتَّقُوا تَكْذِيبَ مُحَمَّدٍ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ." بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ" أَيْ لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ فِيمَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ خالقهم، وإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015