قَوْلِهِ" وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً" [الزخرف: 19] أَيْ مَا لَهُمْ بِقَوْلِهِمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، مِنْ عِلْمٍ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: يَعْنِي الْأَوْثَانَ، أَيْ مَا لَهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِلْمٍ." مِنْ" صِلَةٌ." إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" أَيْ يَحْدِسُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ عز وجل. وكان في ضِمْنِ كَلَامِهِمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِهَذَا أَوْ أرضى ذَلِكَ مِنَّا، وَلِهَذَا لَمْ يَنْهَنَا وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بالعقوبة.
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
هَذَا مُعَادِلٌ لِقَوْلِهِ" أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ". وَالْمَعْنَى: أَحَضَرُوا خَلْقَهُمْ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ، أَيْ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ بِمَا ادَّعَوْهُ، فَهُمْ به متمسكون يعملون بما فيه.
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" عَلى أُمَّةٍ" أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ وَمَذْهَبٍ، قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَكَانَ يَقْرَأُ هُوَ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ" عَلَى إِمَّةٍ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ. وَالْإِمَّةُ الطَّرِيقَةُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْإِمَّةُ (بِالْكَسْرِ): النِّعْمَةُ. وَالْإِمَّةُ أَيْضًا لُغَةٌ فِي الْأُمَّةِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالدِّينُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي النِّعْمَةِ:
ثُمَّ بَعْدَ الْفَلَاحِ والملك والا ... مه وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ
عَنْ غَيْرِ الْجَوْهَرِيِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ:" عَلَى أُمَّةٍ" عَلَى دِينٍ، وَمِنْهُ فول قيس بن الخطيم:
كنا على أمة ءابائنا ... وَيَقْتَدِي الْآخِرُ بِالْأَوَّلِ