وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْأَنْبِيَاءِ خُصُوصًا وَإِنْ عَمَّ حُكْمُهَا. وُهِبَ لِلُوطٍ الْإِنَاثُ لَيْسَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، وَوُهِبَ لِإِبْرَاهِيمَ الذُّكُورُ لَيْسَ مَعَهُمْ أُنْثَى، وَوُهِبَ لِإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَجُعِلَ عِيسَى وَيَحْيَى عَقِيمَيْنِ، وَنَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ. قَالَ إِسْحَاقُ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ عَمَّتْ." يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً" يَعْنِي لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمْ يُولَدْ لَهُ ذَكَرٌ وَإِنَّمَا وُلِدَ لَهُ ابْنَتَانِ." وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ" يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُولَدْ لَهُ أُنْثَى بَلْ وُلِدَ لَهُ ثَمَانِيَةُ ذُكُورٍ." أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً" يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِدَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنِينَ وَأَرْبَعُ بَنَاتٍ." وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً" يَعْنِي يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، لَمْ يَذْكُرْ عِيسَى. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا" يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً" يَعْنِي لُوطًا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ." وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ" يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ، كَانَ لَهُ بَنُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِنْتٌ. وَقَوْلُهُ" أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً" يَعْنِي آدَمَ، كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ تَوْأَمَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَيُزَوِّجُ الذَّكَرَ مِنْ هَذَا الْبَطْنِ مِنَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَطْنِ الْآخَرِ، حَتَّى أَحْكَمَ اللَّهُ التَّحْرِيمَ فِي شَرْعِ نُوحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ مِنَ الْأَوْلَادِ: الْقَاسِمُ وَالطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ وَعَبْدُ اللَّهِ (?) وَزَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُومَ وَرُقَيَّةُ وَفَاطِمَةُ، وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَإِبْرَاهِيمُ وَهُوَ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ. وَكَذَلِكَ قَسَمَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَحْدُودِ بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ، لِيَبْقَى النَّسْلُ، وَيَتَمَادَى الْخَلْقُ، وَيَنْفُذَ الْوَعْدُ، وَيَحِقَّ الْأَمْرُ، وَتَعْمُرَ الدُّنْيَا، وَتَأْخُذَ الْجَنَّةُ وَجَهَنَّمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَا يَمْلَؤُهَا وَيَبْقَى. فَفِي الْحَدِيثِ: (إِنَّ النَّارَ لَنْ تَمْتَلِئَ حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ (?)، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ (?). وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى مِنْهَا فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ.) الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِعُمُومِ قُدْرَتِهِ وَشَدِيدِ قُوَّتِهِ يَخْلُقُ الْخَلْقَ ابتداء من غير شي، وَبِعَظِيمِ لُطْفِهِ وَبَالِغِ حِكْمَتِهِ يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ شيء لا عن حاجة، فانه قدوس