تفسير القرطبي (صفحة 5957)

الْمِيزَانُ اسْتَوَى. وَرَكَدَ الْقَوْمُ هَدَءُوا. وَالْمَرَاكِدُ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَرْكُدُ فِيهَا الْإِنْسَانُ وَغَيْرُهُ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ" فَيَظْلِلْنَ" بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى عَلَى أَنْ يَكُونَ لُغَةً، مِثْلُ ضَلَلْتُ «1» أَضِلُّ. وَفَتَحَ اللَّامَ وَهِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ." إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ" أَيْ دَلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ" لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" أَيْ صَبَّارٍ عَلَى الْبَلْوَى شَكُورٍ عَلَى النَّعْمَاءِ. قَالَ قُطْرُبٌ: نِعْمَ الْعَبْدُ الصَّبَّارُ الشَّكُورُ، الَّذِي إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ. قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرِ شاكر، وكم من مبتلى غير صابر.

[سورة الشورى (42): الآيات 34 الى 35]

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا" أَيْ وَإِنْ يَشَأْ يَجْعَلْ الرِّيَاحَ عَوَاصِفَ فَيُوبِقِ السُّفُنَ، أَيْ يُغْرِقْهُنَّ بِذُنُوبِ أَهْلِهَا. وَقِيلَ: يُوبِقْ أَهْلَ السُّفُنِ." وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ" مِنْ أَهْلِهَا فَلَا يُغْرِقُهُمْ مَعَهَا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقِيلَ:" وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ" أَيْ وَيَتَجَاوَزُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الذنوب فينجيهم الله من الهلاك. قال القشري: وَالْقِرَاءَةُ الْفَاشِيَةُ" وَيَعْفُ" بِالْجَزْمِ، وَفِيهَا إِشْكَالٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنُ الرِّيحَ فَتَبْقَى تِلْكَ السُّفُنُ رَوَاكِدَ وَيُهْلِكُهَا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا، فَلَا يَحْسُنُ عَطْفُ" يَعْفُ" عَلَى هَذَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ «2» الْمَعْنَى: إِنْ يَشَأْ يَعْفُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى ذَلِكَ بَلِ الْمَعْنَى الْإِخْبَارُ عَنِ الْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمَشِيئَةِ، فَهُوَ إِذًا عَطْفٌ عَلَى الْمَجْزُومِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَقَدْ قرأ قوم" وَيَعْفُ" بِالرَّفْعِ، وَهِيَ جَيِّدَةٌ فِي الْمَعْنَى." وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ" يَعْنِي الْكُفَّارَ، أَيْ إِذَا تَوَسَّطُوا الْبَحْرَ وَغَشِيَتْهُمُ الرِّيَاحُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أَوْ بَقِيَتِ السُّفُنُ رَوَاكِدَ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ لَهُمْ سِوَى اللَّهِ، وَلَا دَافِعَ لَهُمْ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَهُمْ فَيُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ «3»، وَمَضَى الْقَوْلُ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي" الْبَقَرَةِ" «4» وَغَيْرِهَا بِمَا يُغْنِي عن إعادته. وقرا نافع وابن عامر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015