تفسير القرطبي (صفحة 5876)

فِي" الْبَقَرَةِ" بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَعَيَّاشٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ" سَيُدْخَلُونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. الْبَاقُونَ" يَدْخُلُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْخَاءِ. وَمَعْنَى" داخِرِينَ" صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ وَقَدْ تَقَدَّمَ (?). قَوْلُهُ تَعَالَى:" اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ"" جَعَلَ" هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ، وَالْعَرَبُ تُفَرِّقُ بَيْنَ جَعَلَ إِذَا كَانَتْ بمعنى خلق وبين جعل إذ لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى خَلَقَ، فَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ فَلَا تُعَدِّيهَا إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى خَلَقَ عَدَّتْهَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" وقد مضى هذا المعنى في مَوْضِعٍ (?)." وَالنَّهارَ مُبْصِراً" أَيْ مُضِيئًا لِتُبْصِرُوا فِيهِ حوائجكم وتتصرفوا في طلب معايشكم." إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ" فَضْلَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ. بَيَّنَ الدَّلَالَةَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ." لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" أَيْ كَيْفَ تَنْقَلِبُونَ وَتَنْصَرِفُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ دَلَائِلَهُ كَذَلِكَ، أَيْ كَمَا صُرِفْتُمْ عَنِ الْحَقِّ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَ" كَذلِكَ يُؤْفَكُ" يُصْرَفُ عَنِ الْحَقِّ" الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ". قَوْلُهُ تَعَالَى:" اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً" زَادَ فِي تَأْكِيدِ التَّعْرِيفِ وَالدَّلِيلِ، أَيْ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مُسْتَقَرًّا لَكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ." وَالسَّماءَ بِناءً" تَقَدَّمَ (?)." وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ" أَيْ خَلَقَكُمْ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ" صِوَرَكُمْ" بِكَسْرِ الصَّادِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالصِّوَرُ بِكَسْرِ الصَّادِ لُغَةٌ فِي الصُّوَرِ جَمْعُ صُورَةٍ وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ يَصِفُ الْجَوَارِيَ:

أَشْبَهْنَ مِنْ بقر الخلصاء أعينها ... هن أحسن من صيرانها صورا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015