بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" حم" اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" حم" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ رَبِّكَ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" حم" اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ. وَعَنْهُ:" الر" وَ" حم" وَ" ن" حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعَةٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. مُجَاهِدٌ: فَوَاتِحُ السُّوَرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: الْحَاءُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ حَمِيدٍ وَحَنَّانٍ وَحَلِيمٍ وَحَكِيمٍ، وَالْمِيمُ افْتِتَاحُ اسْمِهِ مَلِكٍ وَمَجِيدٍ وَمَنَّانٍ وَمُتَكَبِّرٍ وَمُصَوِّرٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا" حم" فَإِنَّا لَا نَعْرِفُهَا فِي لِسَانِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بَدْءُ أَسْمَاءٍ وَفَوَاتِحُ سُوَرٍ" وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ قُضِيَ مَا هُوَ كَائِنٌ. كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى تَهَجِّي" حم"، لِأَنَّهَا تَصِيرُ حُمَّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ قُضِيَ وَوَقَعَ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
فَلَمَّا تَلَاقَيْنَاهُمْ وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى ... - وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ
وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ الْمَعْنَى حُمَّ أَمْرُ اللَّهِ أَيْ قَرُبَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ حُمَّ يَوْمِي فَسُرَّ قَوْمٌ ... - قَوْمٌ بِهِمْ غَفْلَةٌ وَنَوْمٌ
وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْحُمَّى، لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِنَ الْمَنِيَّةِ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ قَرُبَ نَصْرُهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَانْتِقَامُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ كَيَوْمِ بَدْرٍ. وَقِيلَ: حُرُوفُ هِجَاءٍ، قَالَ الْجَرْمِيُّ: وَلِهَذَا تُقْرَأُ سَاكِنَةَ الْحُرُوفِ