تفسير القرطبي (صفحة 583)

أَقَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حَرَسًا يَجُزُّونَ نَاصِيَةَ كُلِّ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ شَعْرَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْفَرْقَ كَانَ مِنْ سُنَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَأَمَّا الشَّيْبُ فَنُورٌ وَيُكْرَهُ نَتْفُهُ، فَفِي النَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً). قُلْتُ: وَكَمَا يُكْرَهُ نَتْفَهُ كَذَلِكَ يُكْرَهُ تَغْيِيرَهُ بِالسَّوَادِ، فَأَمَّا تَغْيِيرُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ فَجَائِزٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ أَبِي قُحَافَةَ- وَقَدْ جئ بِهِ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ (?) بَيَاضًا-: (غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ). وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:

يُسَوَّدُ أَعْلَاهَا وَيُبَيَّضُ أَصْلَهَا ... وَلَا خَيْرَ فِي الْأَعْلَى إذا فسد الأصل

وقال آخر:

يَا خَاضِبَ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ تَسْتُرُهُ ... سَلِ الْمَلِيكَ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ وَأَمَّا الثَّرِيدُ فَهُوَ أَزْكَى الطَّعَامِ وَأَكْثَرُهُ بَرَكَةً، وَهُوَ طَعَامُ الْعَرَبِ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَضْلِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ فَقَالَ: (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ). وَفِي صَحِيحِ الْبُسْتِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ غَطَّتْهُ شَيْئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ وَتَقُولَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ). السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ. وَيَأْتِي ذِكْرُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالسِّوَاكِ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ (?) " وَحُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ فِي" بَرَاءَةٌ (?) " وَحُكْمُ الضِّيَافَةِ فِي" هُودٍ (?) " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلَّا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا تحديد في أكثر المدة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015