تفسير القرطبي (صفحة 5779)

مَنْ سُئِلَ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ لَا أَعْلَمُ وَلَا يَتَكَلَّفْ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَعْلَمُ عِلْمٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ". وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ وَيَتَعَاطَى مَا لَا يَنَالُ وَيَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ". وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَ مَقْرَاةٍ (?) لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ أَوَلَغَتِ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مَقْرَاتِكَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ هَذَا مُتَكَلِّفٌ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ". وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْمِيَاهِ فِي سُورَةِ" الْفُرْقَانِ" (?)." إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ" يَعْنِي الْقُرْآنَ" لِلْعالَمِينَ" مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ." وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" أَيْ نَبَأُ الذِّكْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ حَقٌّ" بَعْدَ حِينٍ" قَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ. أَيْ لَتَظْهَرُ لَكُمْ حَقِيقَةُ مَا أَقُولُ:" بَعْدَ حِينٍ" أَيْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ أَيْ إِذَا أَخَذَتْكُمْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِنْدَ الموت يأتيك الخبر اليقين. وسيل عِكْرِمَةُ عَمَّنْ حَلَفَ لَيَصْنَعَنَّ كَذَا إِلَى حِينٍ. قَالَ: إِنَّ مِنَ الْحِينِ مَا لَا تُدْرِكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" وَمِنْهُ مَا تُدْرِكُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها" [إبراهيم: 25] مِنْ صِرَامِ النَّخْلِ إِلَى طُلُوعِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" (?) و" إبراهيم" (?) والحمد لله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015