تفسير القرطبي (صفحة 5768)

تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْنِ وَالشَّبَابِ، بَنَاتُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْآدَمِيَّاتِ. وَ" أَتْرابٌ" جَمْعُ تِرْبٍ وَهُوَ نَعْتٌ لِقَاصِرَاتٍ، لِأَنَّ" قاصِراتُ" نَكِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِهِ كما قال:

من القاصرات الطرف لو دب محول ... ومن الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا «1»

قَوْلُهُ تَعَالَى:" هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ" أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي وُعِدْتُمْ بِهِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ أَيْ مَا تُوعَدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ وَاخْتِيَارِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" فَهُوَ خَبَرٌ." لِيَوْمِ الْحِسابِ" أَيْ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَ الْأَعْشَى:

الْمُهِينِينَ مَا لهم لزمان ... والسوء حَتَّى إِذَا أَفَاقَ أَفَاقُوا

أَيْ فِي زَمَانِ السُّوءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ، كَمَا قَالَ:" عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود: 108] وقال:" فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ" مَمْنُونٍ." [التين: 6].

[سورة ص (38): الآيات 55 الى 61]

هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59)

قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ" لَمَّا ذَكَرَ مَا لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ مَا لِلطَّاغِينَ. قَالَ الزَّجَّاجُ:" هَذَا" خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٌ أَيِ الْأَمْرُ هَذَا فَيُوقَفُ عَلَى" هَذَا" قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:" هَذَا" وَقْفٌ حَسَنٌ. ثُمَّ تَبْتَدِئُ" وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ" وهم الذين كذبوا الرسل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015