وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
يَا شَاةَ مَا قَنَصَ لِمَنْ حلت له ... وحرمت عَلَيَّ وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ
فَبَعَثْتُ جَارِيَتِي فَقُلْتُ لها اذهبي ... فتجسسي أخبارها لي واعلم
قالت رأيت من الأعادي غرة ... ووالشاة مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُوَ مُرْتَمِ
فَكَأَنَّمَا الْتَفَتَتْ بِجِيدِ جداية ... ورشإ مِنَ الْغِزْلَانِ حُرٍّ أَرْثَمِ
وَقَالَ آخَرُ (?):
فَرَمَيْتُ غفلة عينه عن شاته ... وفأصبت حَبَّةَ قَلْبِهَا وَطِحَالَهَا
وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ التَّعْرِيضِ حَيْثُ كَنَّى بِالنِّعَاجِ عَنِ النِّسَاءِ. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هَذَا مِنَ الْمَلَكَيْنِ تَعْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ كَقَوْلِهِمْ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، وَمَا كَانَ ضَرْبٌ وَلَا نِعَاجٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَحْنُ خَصْمَانِ هَذِهِ حَالُنَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَأَحْسَنَ مَا قِيلَ فِي هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى، يَقُولُ: خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْمَسْأَلَةِ، كَمَا تَقُولُ: رَجُلٌ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ كذا، ما يجب عليه؟ قلت: وفد تَأَوَّلَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الَّذِي خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُ:" هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ" عَلَى نَحْوِ هَذَا، قَالَ الْمُزَنِيُّ: يَحْتَمِلُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ بِالْحُكْمِ أَنَّ هَذَا يَكُونُ إِذَا ادَّعَى صَاحِبُ فِرَاشٍ وَصَاحِبُ زِنًى، لَا أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى عُتْبَةَ قَوْلَ أَخِيهِ سَعْدٍ، وَلَا عَلَى زَمْعَةَ قَوْلَ ابْنِهِ إِنَّهُ وَلَدُ (?) زِنًى، لِأَنَّ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي، قِصَّةِ دَاوُدَ وَالْمَلَائِكَةِ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَفَزِعَ مِنْهُمْ، قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ وَلَمْ يَكُونُوا خَصْمَيْنِ، وَلَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلَكِنَّهُمْ كَلَّمُوهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لِيَعْرِفَ بِهَا مَا أَرَادُوا تَعْرِيفَهُ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ