ذَنْبَهُ أَوْ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ اسْتَغْفَرَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةَ مِائَةَ مرة". ويقال آب يؤوب إِذَا رَجَعَ، كَمَا قَالَ «1»
وَكُلُّ ذِي غَيْبَةٍ يؤوب ... ووغائب الموت لا يؤوب
فَكَانَ دَاوُدُ رَجَّاعًا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ فِي كُلِّ أَمْرٍ فَهُوَ أَهْلٌ لِأَنْ يُقْتَدَى به.
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ"" يُسَبِّحْنَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. ذَكَرَ تَعَالَى مَا آتَاهُ مِنَ الْبُرْهَانِ وَالْمُعْجِزَةِ وَهُوَ تَسْبِيحُ الْجِبَالِ مَعَهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ ذَكَرَتِ الْجِبَالُ مَعَهُ، وَكَانَ يَفْقَهُ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" يُسَبِّحْنَ" يُصَلِّينَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا مُعْجِزَةً إِذَا رَآهُ النَّاسُ وَعَرَفُوهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أُوتِيَ دَاوُدُ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ مَا يَكُونُ لَهُ فِي الْجِبَالِ دَوِيٌّ حَسَنٌ، وَمَا تُصْغِي لِحُسْنِهِ الطَّيْرُ «2» وَتُصَوِّتُ مَعَهُ، فَهَذَا تَسْبِيحُ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ. وَقِيلَ: سَخَّرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِتَسِيرَ مَعَهُ فَذَلِكَ تَسْبِيحُهَا، لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي" سَبَأٍ" «3» وَفِي" سُبْحَانَ" «4» عِنْدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" [الإسراء: 44] وَأَنَّ ذَلِكَ تَسْبِيحُ مَقَالٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ." بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ" الْإِشْرَاقُ أَيْضًا ابْيِضَاضُ الشَّمْسِ بَعْدَ طُلُوعِهَا. يُقَالُ: شَرَقَتِ الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ، وَأَشْرَقَتْ إِذَا أَضَاءَتْ. فَكَانَ دَاوُدُ يُسَبِّحُ إِثْرَ صَلَاتِهِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا. الثَّانِيَةُ- رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ:" بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ" وَلَا أَدْرِي مَا هِيَ، حَتَّى حَدَّثَتْنِي أُمُّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها،