تفسير القرطبي (صفحة 5564)

وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى لَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا لَا نَعْرِفُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ. فَدَعَا اللَّهُ لَهُمْ فَنَامُوا بِمَكَانِهِمْ، فَهَبُّوا مِنْ نومتهم قد حملتهم الملائكة فألقتهم بأرضي أَنْطَاكِيَةَ، فَكَلَّمَ كُلٌّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ، فذلك قول:" وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" [البقرة: 87] فَقَالُوا جَمِيعًا:" إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ" قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا" تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَتَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ" وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ يأمر به ولا من شي»

يَنْهَى عَنْهُ" إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ" فِي دعواكم الرسالة،" رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ" فَقَالَتِ الرُّسُلُ:" رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ" وَإِنْ كَذَّبْتُمُونَا" وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ" فِي أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ" قالُوا" لَهُمْ" إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ" أَيْ تَشَاءَمْنَا بِكُمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: حُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ ثَلَاثَ سِنِينَ فَقَالُوا هَذَا بِشُؤْمِكُمْ. وَيُقَالُ إِنَّهُمْ أَقَامُوا يُنْذِرُونَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ." لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا" عَنْ إِنْذَارِنَا" لَنَرْجُمَنَّكُمْ" قَالَ الْفَرَّاءُ: لَنَقْتُلَنَّكُمْ. قَالَ: وَعَامَّةُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الرَّجْمِ مَعْنَاهُ الْقَتْلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ عَلَى بَابِهِ مِنَ الرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ: لَنَشْتِمَنَّكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ (?)." وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ" قِيلَ: هُوَ الْقَتْلُ. وَقِيلَ: هُوَ التَّعْذِيبُ الْمُؤْلِمُ. وَقِيلَ: هُوَ التَّعْذِيبُ الْمُؤْلِمُ قَبْلَ الْقَتْلِ كَالسَّلْخِ وَالْقَطْعِ وَالصَّلْبِ. فقالت الرسل:" طائِرُكُمْ مَعَكُمْ" أي شومكم مَعَكُمْ أَيْ حَظُّكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعَكُمْ وَلَازِمٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ شُؤْمِنَا، قَالَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْمَالُكُمْ مَعَكُمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ الْأَرْزَاقُ وَالْأَقْدَارُ تَتْبَعُكُمْ. الْفَرَّاءُ:" طائِرُكُمْ مَعَكُمْ" رِزْقُكُمْ وَعَمَلُكُمْ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" اطَّيْرُكُمْ" أَيْ تَطَيُّرُكُمْ (?)." أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ" قَالَ قَتَادَةُ: إِنْ ذُكِّرْتُمْ تَطَيَّرْتُمْ. وَفِيهِ تِسْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ: قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ" أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ" بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ:" أَإِنْ" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ:" أَاإِنْ ذُكِّرْتُمْ" بِهَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ كَرَاهَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ" أَايِنْ" بِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ مُخَفَّفَةٌ. وَالْقِرَاءَةُ الْخَامِسَةُ" أَاأَنْ" بِهَمْزَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ. وَالْوَجْهُ السَّادِسُ" أَأَنْ" بِهَمْزَتَيْنِ مُحَقَّقَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ: أَنَّ هَذِهِ القراءة قراءة أبي رزين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015