تفسير القرطبي (صفحة 5542)

دُونِ اللَّهِ، أَعَبَدْتُمُوهُمْ لِأَنَّ لَهُمْ شَرِكَةً فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ، أَمْ خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا! (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) أَيْ أَمْ عِنْدَهُمْ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ بِالشَّرِكَةِ. وَكَانَ فِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِي كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرهُ. (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ" عَلى بَيِّنَةٍ" بِالتَّوْحِيدِ، وَجَمَعَ الْبَاقُونَ. وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ إِلَّا أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَمْعِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ قَرَأَهُ" عَلى بَيِّنَةٍ" مِنْ أَنْ يَكُونَ خَالَفَ السَّوَادَ الْأَعْظَمَ، أَوْ يَكُونُ جَاءَ بِهِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: جَاءَنِي طَلْحَتْ، فَوَقَفَ بِالتَّاءِ، وَهَذِهِ لُغَةٌ شَاذَّةٌ قَلِيلَةٌ، قَالَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ: الْجَمْعُ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ الْخَطَّ، لِأَنَّهَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ" بَيِّنَاتٍ" بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ. (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) أَيْ أَبَاطِيلَ تَغُرُّ، وَهُوَ قَوْلُ السَّادَةِ لِلسِّفْلَةِ: إِنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ تَنْفَعُكُمْ وَتُقَرِّبُكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُ الْمُشْرِكِينَ ذلك. وقيل: وعدهم بأنهم ينصرون عليهم.

[سورة فاطر (35): آية 41]

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَقْدِرُ عَلَى خلق شي مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَيَّنَ أَنَّ خَالِقَهُمَا وَمُمْسِكَهُمَا هُوَ اللَّهُ، فَلَا يُوجَدُ حَادِثٌ إِلَّا بِإِيجَادِهِ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا بِبَقَائِهِ. وَ" إِنَّ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى كَرَاهَةَ أَنْ تَزُولَا، أَوْ لِئَلَّا تَزُولَا، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَمْنَعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، فَلَا حَاجَةَ عَلَى هَذَا إِلَى إِضْمَارٍ، وَهَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ وَلَوْ زَالَتَا مَا أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ. وَ" إِنَّ" بِمَعْنَى مَا. قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ:" وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ" «1» [الروم: 51]. وقيل: المراد زوالهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015