تفسير القرطبي (صفحة 5518)

جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَا، وَهُوَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سأل عمه عن الصلاة يقطعها شي؟ فقال: لا يقطعها شي، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي، (كِتَابِ آدَابِ النُّفُوسِ): حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ" قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الذين يعملون السيئات في السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الشِّرْكَ، فَتَكُونُ" السَّيِّئاتِ" مَفْعُولَةً. وَيُقَالُ: بَارَ يَبُورُ إِذَا هَلَكَ وَبَطَلَ. وَبَارَتِ السُّوقُ

أَيْ كَسَدَتْ، وَمِنْهُ: نَعُوذُ بالله من بوار الأيم «1»

. وقول:" وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً «2»

" [الفتح: 12] أَيْ هَلْكَى. وَالْمَكْرُ: مَا عُمِلَ عَلَى سَبِيلِ احتيال وخديعة. وقد مضى في" سبأ" «3».

[سورة فاطر (35): آية 11]

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: خَلَقَ أصلكم من تراب. قَالَ: أَيِ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ ظُهُورِ آبَائِكُمْ. قَالَ: أَيْ زَوَّجَ بَعْضَكُمْ بَعْضًا، فَالذَّكَرُ زَوْجُ الْأُنْثَى لِيُتِمَّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015