يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (67)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ وَقَرَأَ عِيسَى الْهَمْدَانِيُّ وَابْنُ إِسْحَاقَ:" نُقَلِّبُ" بِنُونٍ وَكَسْرِ اللَّامِ." وُجُوهَهُمْ" نَصْبًا. وَقَرَأَ عِيسَى أَيْضًا:" تُقَلِّبُ" بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى تُقَلِّبُ السَّعِيرُ وُجُوهَهُمْ. وَهَذَا التَّقْلِيبُ تَغْيِيرُ أَلْوَانِهِمْ بِلَفْحِ النَّارِ، فَتَسْوَدُّ مَرَّةً وَتَخْضَرُّ أُخْرَى. وَإِذَا بُدِّلَتْ جُلُودُهُمْ بِجُلُودٍ أُخَرَ فَحِينَئِذٍ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ مَا كَفَرُوا (يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: يَقُولُونَ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَا لَيْتَنَا. (أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) أَيْ لَمْ نَكْفُرْ فَنَنْجُوَ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ كَمَا نَجَا الْمُؤْمِنُونَ. وَهَذِهِ الْأَلِفُ تَقَعُ فِي الْفَوَاصِلِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا وَلَا يُوصَلُ بِهَا. وَكَذَا" السَّبِيلَا" وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ «1». وقرا الحسن:" إنا أطعنا سَادَاتِنَا" بِكَسْرِ التَّاءِ، جَمْعُ سَادَةٍ. وَكَانَ فِي هَذَا زَجْرٌ عَنِ التَّقْلِيدِ. وَالسَّادَةُ جَمْعُ السَّيِّدِ، وَهُوَ فَعَلَةٌ، مِثْلُ كَتَبَةٍ وَفَجَرَةٍ. وَسَادَاتُنَا جَمْعُ الْجَمْعِ. وَالسَّادَةُ وَالْكُبَرَاءُ بِمَعْنًى. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْمُطْعِمُونَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَالْأَظْهَرُ الْعُمُومُ فِي الْقَادَةِ وَالرُّؤَسَاءِ فِي الشِّرْكِ وَالضَّلَالَةِ، أَيْ أَطَعْنَاهُمْ فِي مَعْصِيَتِكَ وَمَا دَعَوْنَا إِلَيْهِ (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أَيْ عَنِ السَّبِيلِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ، فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ وُصِلَ الْفِعْلُ فَنُصِبَ. وَالْإِضْلَالُ لَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ حَرْفِ الْجَرِّ، كقوله:" لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ «2» الذِّكْرِ" [الفرقان: 92]
رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68)