تفسير القرطبي (صفحة 5414)

الْعَاشِرَةُ- اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَخْذِ النَّاسِ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَبِأَنَّ الْأَعْمَى يَطَأُ زَوْجَتَهُ بِمَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِهَا. وَعَلَى إِجَازَة شَهَادَتِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجِزْهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ فِي الْأَنْسَابِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ إِلَّا فِيمَا رَآهُ قَبْلَ ذَهَابِ بَصَرِهِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) يُرِيدُ مِنَ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلرِّجَالِ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَلِلنِّسَاءِ فِي أَمْرِ الرِّجَالِ، أَيْ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِقَ بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ مُجَانَبَةَ ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ وأحصن لنفسه وأتم لعصمته. الثانية عشرة- قوله تَعَالَى: (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) الْآيَةَ. هَذَا تَكْرَارٌ لِلْعِلَّةِ وَتَأْكِيدٌ لِحُكْمِهَا، وَتَأْكِيدُ الْعِلَلِ أَقْوَى فِي الْأَحْكَامِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) روى إسماعيل ابن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لَوْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ، اللَّهُ تَعَالَى:" وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ" الْآيَةَ. وَنَزَلَتْ:" وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ" [الأحزاب 6]. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ مِنَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاءٍ- فِي نَفْسِهِ- لَوْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ، وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَدِمَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى مَا حَدَّثَ بِهِ فِي نَفْسِهِ، فَمَشَى إِلَى مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَحَمَلَ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَاسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْتَقَ رَقِيقًا فَكَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ: لَوْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَأَذَّى بِهِ، هَكَذَا كَنَّى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَحَكَى مَكِّيٌّ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015