مِنَ الْحُصُونِ وَالْقُرَى قَدِيرٌ، قَالَهُ النَّقَّاشُ. وَقِيلَ: (وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) مِمَّا وَعَدَكُمُوهُ (قَدِيراً) لَا تُرَدُّ قُدْرَتُهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ تَعَالَى. وَيُقَالُ: تَأْسِرُونَ وَتَأْسُرُونَ (بِكَسْرِ السِّينِ وضمها) حكاه الفراء.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
فِيهِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ إِيذَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ تَأَذَّى بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ. قِيلَ: سَأَلْنَهُ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ. وَقِيلَ: آذَيْنَهُ بِغَيْرَةِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: أُمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِنَّ وَتَخْيِيرِهِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ مَنْ مَلَكَ زَوْجَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا. أُمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مِسْكِينًا، فَشَاوَرَ جِبْرِيلَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمَسْكَنَةِ فَاخْتَارَهَا، فَلَمَّا اخْتَارَهَا وَهِيَ أَعْلَى الْمَنْزِلَتَيْنِ، أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَيِّرَ زَوْجَاتِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهِنَّ مَنْ يَكْرَهُ الْمُقَامَ مَعَهُ عَلَى الشِّدَّةِ تَنْزِيهًا لَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ السَّبَبَ الَّذِي أُوجِبَ التَّخْيِيرُ لِأَجْلِهِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ سَأَلَتْهُ أَنْ يَصُوغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَصَاغَ لَهَا حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ وَطَلَاهَا بِالذَّهَبِ- وَقِيلَ بِالزَّعْفَرَانِ- فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ فَخَيَّرَهُنَّ، فَقُلْنَ اخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ اخْتَارَتِ الْفِرَاقَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ- وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ