تفسير القرطبي (صفحة 5340)

فِيهِمُ الْمَجْدُ وَالسَّمَاحَةُ وَالنَّجْ ... - دَةُ فِيهِمُ وَالْخَاطِبُ السَّلَّاقُ «1»

قَالَ قَتَادَةُ: وَمَعْنَاهُ بَسَطُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِيكُمْ فِي وَقْتِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، يَقُولُونَ: أَعْطِنَا أَعْطِنَا، فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ. فَعِنْدَ الْغَنِيمَةِ أَشَحُّ قَوْمٍ وَأَبْسَطُهُمْ لِسَانًا، وَوَقْتَ الْبَأْسِ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَخْوَفُهُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّ بَعْدَهُ (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) «2». وَقِيلَ: الْمَعْنَى بَالَغُوا فِي مُخَاصَمَتِكُمْ وَالِاحْتِجَاجِ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: الْمَعْنَى آذَوْكُمْ بِالْكَلَامِ الشَّدِيدِ. السَّلْقُ: الْأَذَى. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَقَدْ سَلَقْنَا هَوَازِنًا ... بِنَوَاهِلٍ حَتَّى انْحَنَيْنَا

" أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ" أَيْ عَلَى الْغَنِيمَةِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. وَقِيلَ: عَلَى الْمَالِ أَنْ يُنْفِقُوهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. (أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) يَعْنِي بِقُلُوبِهِمْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُمُ الْإِيمَانَ، وَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِوَصْفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْكُفْرِ «3». (فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ) أَيْ لَمْ يُثِبْهُمْ عَلَيْهَا، إِذَا لَمْ يَقْصِدُوا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- وَكَانَ نِفَاقُهُمْ عَلَى اللَّهِ هَيِّنًا. الثَّانِي- وَكَانَ إِحْبَاطُ عَمَلِهِمْ على الله هينا.

[سورة الأحزاب (33): آية 20]

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أَيْ لِجُبْنِهِمْ، يَظُنُّونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَنْصَرِفُوا وَكَانُوا انْصَرَفُوا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَبَاعَدُوا فِي السَّيْرِ. (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) أَيْ وَإِنْ يَرْجِعِ الْأَحْزَابُ إِلَيْهِمْ لِلْقِتَالِ. (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) تَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْأَعْرَابِ حَذَرًا مِنَ الْقَتْلِ وَتَرَبُّصًا لِلدَّوَائِرِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ" لَوْ أَنَّهُمْ بُدًّى فِي الْأَعْرَابِ"، يُقَالُ: بَادٍ وَبُدًّى، مِثْلُ غَازٍ وَغُزًّى. وَيُمَدُّ مِثْلُ صَائِمٍ وَصَوَّامٍ. بَدَا فُلَانٌ يَبْدُو إِذَا خَرَجَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015