تفسير القرطبي (صفحة 5272)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) عَرَّفَهُمْ كَمَالَ قُدْرَتِهِ لِيَسْمَعُوا الْقُرْآنَ وَيَتَأَمَّلُوهُ. وَمَعْنَى:" خَلَقَ" أَبْدَعَ وَأَوْجَدَ بَعْدَ الْعَدَمِ وَبَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا." فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ" مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ إِلَى آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَوْمَ مِنَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ الدُّنْيَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي سِتَّةِ آلَافِ سَنَةٍ، أَيْ فِي مُدَّةِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَافِ وَالْبَقَرَةِ «1» وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى). وَلَيْسَتْ (ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ. (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أَيْ مَا لِلْكَافِرِينَ مِنْ وَلِيٍّ يَمْنَعُ مِنْ عَذَابِهِمْ وَلَا شَفِيعٍ. وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الْمَوْضِعِ. (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) فِي قدرته ومخلوقاته.

[سورة السجده (32): آية 5]

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْزِلُ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ. وَقِيلَ: يُنْزِلُ الْوَحْيَ مَعَ جِبْرِيلَ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، وَإِسْرَافِيلُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. فَأَمَّا جِبْرِيلُ فَمُوكَلٌ بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ. وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَمُوكَلٌ بِالْقَطْرِ وَالْمَاءِ. وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوكَلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ. وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْعَرْشَ مَوْضِعُ التَّدْبِيرِ، كَمَا أَنَّ مَا دُونَ الْعَرْشِ مَوْضِعُ التَّفْصِيلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ" «2» [الرعد: 2]. وَمَا دُونَ السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ التَّصْرِيفِ، قَالَ اللَّهُ تعالى:" وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا" «3» [الفرقان: 50].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015