تفسير القرطبي (صفحة 5268)

[سورة لقمان (31): آية 34]

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)

زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ مَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ بِتَوْقِيفِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ" [الانعام: 59]: (إِنَّهَا هَذِهِ): قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ" الْأَنْعَامِ" «1» حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: (أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، هُنَّ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذا تَكْسِبُ غَدًا) قَالَ:/ (صَدَقْتَ). لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: كل شي أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ خَمْسٍ:" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ"، الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْخَمْسَةُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ خَالَفَهُ. ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنَ الْغَيْبِ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ. وَالْمُرَادُ إِبْطَالُ كَوْنِ الْكَهَنَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ «2» وَقَدْ يَعْرِفُ بِطُولِ التَّجَارِبِ أَشْيَاءَ مِنْ ذُكُورَةِ الْحَمْلِ وَأُنُوثَتِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْأَنْعَامِ «3». وَقَدْ تَخْتَلِفُ التَّجْرِبَةُ وَتَنْكَسِرُ الْعَادَةُ وَيَبْقَى الْعِلْمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسُبُ حِسَابَ النُّجُومِ، فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ نَجْمَ ابنك، وأنه يموت بعد عشرة أيام،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015