مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) قَالَ الضَّحَّاكُ: الْمَعْنَى مَا ابْتِدَاءُ خَلْقِكُمْ جَمِيعًا إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا بَعْثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَبَعْثِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَكَذَا قَدَّرَهُ النَّحْوِيُّونَ بِمَعْنَى إِلَّا كَخَلْقِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مثل:" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ" «1» [يوسف: 82]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِأَنَّهُ يَقُولُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كُنْ فَيَكُونُ. وَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي الْأَسَدَيْنِ «2» وَمُنَبِّهٍ وَنُبَيْهٍ ابْنَيِ الْحَجَّاجِ بْنِ السَّبَّاقِ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَلَقَنَا أَطْوَارًا، نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ تَقُولُ إِنَّا نُبْعَثُ خَلْقًا جَدِيدًا جَمِيعًا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ"، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مَا يَصْعُبُ عَلَى الْعِبَادِ، وَخَلْقُهُ لِلْعَالَمِ كَخَلْقِهِ لِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لِمَا يَقُولُونَ (بَصِيرٌ) بِمَا يَفْعَلُونَ.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) تَقَدَّمَ في (الحج) و (آل عِمْرَانَ) «3». (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أَيْ ذَلَّلَهُمَا بِالطُّلُوعِ وَالْأُفُولِ تَقْدِيرًا لِلْآجَالِ وَإِتْمَامًا لِلْمَنَافِعِ. (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قَالَ الْحَسَنُ: إِلَى يَوْمِ القيامة. قتادة: