الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ: (أَنَّهُ يَبْتَاعُ وفي عقدته «1» ضعف)." وَشَيْبَةً" مَصْدَرٌ كَالشَّيْبِ، وَالْمَصْدَرُ يَصْلُحُ لِلْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ في الضعف والقوة. (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) عني مِنْ قُوَّةٍ وَضَعْفٍ. (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بِتَدْبِيرِهِ. (الْقَدِيرُ) عَلَى إِرَادَتِهِ. وَأَجَازَ النَّحْوِيُّونَ الْكُوفِيُّونَ (مِنْ ضَعْفٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) أَيْ يَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ. (مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) لَيْسَ فِي هَذَا رَدٌّ لِعَذَابِ الْقَبْرِ، إِذْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُتَعَوَّذَ مِنْهُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ وَلَكِنْ سَلِيهِ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ) فِي أَحَادِيثَ مَشْهُورَةٍ خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةُ). وَفِي مَعْنَى:" مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ" قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَمْدَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَعَلَى هَذَا قَالُوا: مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ «2». [وَالْقَوْلُ الْآخَرُ- أَنَّهُمْ يَعْنُونَ فِي الدُّنْيَا لِزَوَالِهَا وَانْقِطَاعِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها" «3» [النازعات: 46] كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَقْسَمُوا عَلَى غَيْبٍ وَعَلَى غير ما يدرون. قال الله عز وجل: «4»] و (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أَيْ كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا، يُقَالُ: أُفِكَ الرَّجُلُ إِذَا صُرِفَ عَنِ الصِّدْقِ وَالْخَيْرِ. وَأَرْضٌ مَأْفُوكَةٌ: مَمْنُوعَةٌ مِنَ الْمَطَرِ. وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّ الْقِيَامَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَذِبٌ لِمَا هُمْ فِيهِ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ"