تفسير القرطبي (صفحة 518)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ" نَعْتٌ لِرَسُولٍ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ." نَبَذَ فَرِيقٌ" جَوَابٌ" لَمَّا"." مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ" نُصِبَ بِ" نَبَذَ"، وَالْمُرَادُ التَّوْرَاةُ، لِأَنَّ كُفْرَهُمْ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَكْذِيبَهُمْ لَهُ نَبْذٌ لَهَا. قَالَ السُّدِّيُّ: نَبَذُوا التَّوْرَاةَ وَأَخَذُوا بِكِتَابِ آصِفَ، وَسِحْرِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَعْنِيَ بِهِ الْقُرْآنَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَقْرَءُونَهُ، وَلَكِنْ نَبَذُوا الْعَمَلَ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَدْرَجُوهُ فِي الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَحَلَّوْهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَمْ يُحِلُّوا حَلَالَهُ وَلَمْ يُحَرِّمُوا حَرَامَهُ، فَذَلِكَ النَّبْذُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى «1»." كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" تَشْبِيهٌ بِمَنْ لَا يَعْلَمُ إِذْ فَعَلُوا فِعْلَ الْجَاهِلِ فَيَجِيءُ مِنَ اللَّفْظِ أَنَّهُمْ كفروا على علم.

[سورة البقرة (2): آية 102]

وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)

فِيهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ" هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الطَّائِفَةِ الَّذِينَ نَبَذُوا الْكِتَابَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا السِّحْرَ أَيْضًا، وَهُمُ الْيَهُودُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَارَضَتِ الْيَهُودُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ فَاتَّفَقَتِ التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ فَنَبَذُوا التَّوْرَاةَ وَأَخَذُوا بِكِتَابِ آصِفِ وَبِسِحْرِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَيْمَانَ فِي الْمُرْسَلِينَ قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّ ابْنَ داود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015