قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ) قِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا هُوَ قَبْلَهُ، أَيْ يَوْمَ يُصِيبُهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، فَإِذَا غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ أَحَاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّمُ. وَإِنَّمَا قَالَ" مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" لِلْمُقَارَبَةِ وَإِلَّا فَالْغَشَيَانُ مِنْ فَوْقُ أَعَمُّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا «1»
وَقَالَ آخَرُ:
لَقَدْ كَانَ قَوَّادَ الْجِيَادِ إِلَى الْعِدَا ... عَلَيْهِنَّ غَابٌ مِنْ قَنًى وَدُرُوعِ
" (وَيَقُولُ ذُوقُوا) " قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ:" نَقُولُ" بِالنُّونِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ:" قُلْ كَفى بِاللَّهِ" وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِمْ يَقُولُ" ذُوقُوا" والقراءتان تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى. أَيْ يَقُولُ الْمَلَكُ بِأَمْرِنَا ذوقوا.
يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)
هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ عَلَى الْهِجْرَةِ- فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ- فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِسَعَةِ أَرْضِهِ، وَأَنَّ الْبَقَاءَ فِي بُقْعَةٍ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ لَيْسَ بِصَوَابٍ. بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَتَلَمَّسَ عِبَادَةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ صَالِحِي عِبَادِهِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي ضِيقٍ مِنْ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِهَا فَهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا وَاسِعَةٌ، لِإِظْهَارِ التَّوْحِيدِ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وعطاء: إن الأرض التي فيها الظلم