تفسير القرطبي (صفحة 5173)

الثَّانِيَةُ- ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَتَبَ. وَأَسْنَدَ أيضا حديث أبي كشة السَّلُولِيِّ، مُضْمَنُهُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ صَحِيفَةً لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَأَخْبَرَ بِمَعْنَاهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْهُ. قُلْتُ: وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ:" اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ- وَفِي رِوَايَةٍ بَايَعْنَاكَ- وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَمَرَ عليا أن يمحوها، فقال علي: والله لا أمحاه (?). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرِنِي مَكَانَهَا" فَأَرَاهُ فَمَحَاهَا وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ الله. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَحَا تِلْكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَكَتَبَ مَكَانَهَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِأَظْهَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُتَّابَ فَكَتَبَ. وَزَادَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى: وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ. فَقَالَ جَمَاعَةٌ: بِجَوَازِ هَذَا الظَّاهِرِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ كَتَبَ بِيَدِهِ، مِنْهُمِ السِّمَنَانِيُّ وَأَبُو ذَرٍّ (?) وَالْبَاجِيُّ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي كَوْنِهِ أُمِّيًّا، وَلَا مُعَارِضَ بِقَوْلِهِ:" وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ" وَلَا بِقَوْلِهِ:" إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ" بَلْ رَأَوْهُ زِيَادَةً فِي مُعْجِزَاتِهِ، وَاسْتِظْهَارًا عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ رِسَالَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَتَبَ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ لِكِتَابَةٍ، وَلَا تَعَاطٍ لِأَسْبَابِهَا، وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِهِ وَقَلَمِهِ حَرَكَاتٍ كَانَتْ عَنْهَا خُطُوطٌ مَفْهُومُهَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِمَنْ قَرَأَهَا، فَكَانَ ذَلِكَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، كَمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلِمَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ وَلَا اكْتِسَابٍ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي مُعْجِزَاتِهِ، وَأَعْظَمَ فِي فضائله. لا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْأُمِّيِّ بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ. فَبَقِيَ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُمِّيِّ مَعَ كَوْنِهِ قَالَ كَتَبَ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ: وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا كَثِيرٌ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015