امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَةِ «1» وَهُوَ يَسُوقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" صَحِبَهُمَا اللَّهُ إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ فَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." إِلى رَبِّي" أَيْ إِلَى رِضَا رَبِّي وَإِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي. (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْهِجْرَةِ فِي" النِّسَاءِ" «2» وغيرها. قوله تعالى: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) أَيْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَادِ فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاقَ وَلَدًا وَيَعْقُوبَ وَلَدَ وَلَدٍ. وَإِنَّمَا وَهَبَ لَهُ إِسْحَاقَ مِنْ بَعْدِ إِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ مِنْ إِسْحَاقَ. (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مِنْ صُلْبِهِ. وَوَحَّدَ الْكِتَابَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ كَالنُّبُوَّةِ، وَالْمُرَادُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ [وَالْفُرْقَانُ]. فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ. فَالتَّوْرَاةُ أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى مِنْ وَلَدِهِ، وَالْفُرْقَانُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) يَعْنِي اجْتِمَاعَ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَيْهِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وروى سفيان عن حميد ابن قَيْسٍ قَالَ: أَمَرَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنْسَانًا أَنْ يَسْأَلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ" وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا" فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ الْمِلَلِ كُلِّهَا تَدَّعِيهِ وَتَقُولَ هُوَ مِنَّا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: صَدَقَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ" وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً" أَيْ عَاقِبَةً وَعَمَلًا صَالِحًا وَثَنَاءً حَسَنًا. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ دِينٍ يَتَوَلَّوْنَهُ. وَقِيلَ:" آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا" أَنَّ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِهِ. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) لَيْسَ" فِي الْآخِرَةِ" دَاخِلًا فِي الصِّلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ تَبْيِينٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «3» بَيَانُهُ. وَكُلُّ هَذَا حَثٌّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الدين الحق.
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32)
وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)