تفسير القرطبي (صفحة 5137)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ) أَيْ بِالْعَذَابِ. (مِنَ الْقُرُونِ) أَيِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الْكَافِرَةِ. (مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) أَيْ لِلْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ لَمَا أَهْلَكَهُمْ. وَقِيلَ: الْقُوَّةُ الْآلَاتُ، وَالْجَمْعُ الْأَعْوَانُ وَالْأَنْصَارُ، وَالْكَلَامُ خرج مخرج التقريع من الله تعال لِقَارُونَ، أَيْ" أَوَلَمْ يَعْلَمْ" قَارُونُ" أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ". (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أَيْ لَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ اسْتِعْتَابٍ كَمَا قَالَ:" وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ""- فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ" وَإِنَّمَا يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَقْرِيعٍ وتوبيخ لقوله:" فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ" قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ غَدًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ، فَإِنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ سُودَ الْوُجُوهِ زُرْقَ الْعُيُونِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يُسْأَلُ الْمُجْرِمُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لِظُهُورِهَا وَكَثْرَتِهَا، بَلْ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِلَا حِسَابٍ. وَقِيلَ: لَا يُسْأَلُ مُجْرِمُو هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ ذُنُوبِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: أَهْلَكَ مَنْ أَهْلَكَ مِنَ الْقُرُونِ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُ بِذُنُوبِهِمْ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ ذنوبهم.

[سورة القصص (28): الآيات 79 الى 80]

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (80)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) أَيْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا رَآهُ زِينَةً مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مِنَ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالتَّجَمُّلِ فِي يَوْمِ عِيدٍ. قَالَ الْغَزْنَوِيُّ: فِي يَوْمِ السَّبْتَ." فِي زِينَتِهِ" أَيْ مَعَ زِينَتِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مَا قُلُوبُ الْقَوْمِ طَارَتْ مَخَافَةً مِنَ الْمَوْتِ أَرْسَوْا بِالنُّفُوسِ الْمَوَاجِدَ «1» أَيْ مَعَ النُّفُوسِ. كَانَ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ تَبَعِهِ، عَلَيْهِمُ الْمُعَصْفَرَاتُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صُبِغَ لَهُ الثِّيَابُ الْمُعَصْفَرَةُ. قَالَ السُّدِّيُّ: مَعَ أَلْفِ جَوَارٍ بِيضٍ عَلَى بِغَالٍ بِيضٍ بِسُرُوجٍ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015