قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) لَمَّا قَالَ تَعَالَى:" وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها" بَيَّنَ أَنَّ قَارُونَ أُوتِيهَا وَاغْتَرَّ بِهَا وَلَمْ تَعْصِمْهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ كَمَا لَمْ تَعْصِمْ فِرْعَوْنَ، وَلَسْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِأَكْثَرَ عَدَدًا وَمَالًا مِنْ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ، فَلَمْ يَنْفَعْ فِرْعَوْنَ جُنُودُهُ وَأَمْوَالُهُ، وَلَمْ يَنْفَعْ قَارُونَ قَرَابَتُهُ مِنْ مُوسَى وَلَا كُنُوزُهُ. قَالَ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ ابْنَ عَمِّ مُوسَى لَحًّا، وَهُوَ قَارُونُ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَمُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ قَاهِثَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ عَمَّ مُوسَى لِأَبٍ وَأُمٍّ. وَقِيلَ: كَانَ ابْنَ خَالَتِهِ. وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ. وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَاعُولَ أَعْجَمِيًّا لَا يَحْسُنُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ وَانْصَرَفَ فِي النَّكِرَةِ، فَإِنْ حَسُنَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ انْصَرَفَ إِنْ كَانَ اسْمًا لِمُذَكَّرٍ نَحْوَ طَاوُسٍ وَرَاقُودٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَوْ كَانَ قَارُونُ مِنْ قَرَنْتُ الشَّيْءَ لَانْصَرَفَ. (فَبَغى عَلَيْهِمْ) بَغْيُهُ أَنَّهُ زَادَ فِي طُولِ ثَوْبِهِ شِبْرًا، قَالَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. وَفِي الْحَدِيثِ" لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا" وَقِيلَ: بَغْيُهُ كُفْرُهُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ اسْتِخْفَافُهُ بِهِمْ بِكَثْرَةِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ نِسْبَتُهُ مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكُنُوزِ إِلَى نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ وَحِيلَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقِيلَ: بَغْيُهُ قَوْلُهُ إِذَا كَانَتِ النبوة لموسى والمذبح والقربان في هرون فمالي! فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِهِمْ مُوسَى الْبَحْرَ وَصَارَتِ الرِّسَالَةُ لِمُوسَى وَالْحُبُورَةُ لِهَارُونَ، يُقَرِّبُ الْقُرْبَانَ وَيَكُونُ رَأْسًا فِيهِمْ، وَكَانَ الْقُرْبَانُ لِمُوسَى فَجَعَلَهُ مُوسَى إِلَى أَخِيهِ، وَجَدَ قَارُونُ فِي نَفْسِهِ وَحَسَدَهُمَا فَقَالَ لِمُوسَى: الْأَمْرُ لَكُمَا وَلَيْسَ لِي شي إِلَى مَتَى أَصْبِرُ. قَالَ مُوسَى: هَذَا صُنْعُ اللَّهِ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقَنَّكَ حَتَّى تَأْتِيَ بآية، فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجئ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَصَاهُ، فَحَزَمَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْقُبَّةِ الَّتِي كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيهَا، وَكَانُوا يَحْرُسُونَ عِصِيِّهِمْ بِاللَّيْلِ فَأَصْبَحُوا وَإِذَا بِعَصَا هرون تَهْتَزُّ وَلَهَا وَرَقٌ أَخْضَرُ- وَكَانَتْ مِنْ شَجَرِ اللَّوْزِ- فَقَالَ قَارُونُ: مَا هُوَ بِأَعْجَبَ مِمَّا تَصْنَعُ مِنَ السِّحْرِ." فَبَغى عَلَيْهِمْ" مِنَ الْبَغْيِ وَهُوَ الظُّلْمُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ قَارُونُ غَنِيًّا عَامِلًا لِفِرْعَوْنَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَكَانَ مِنْهُمْ وَقَوْلٌ سَابِعٌ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ