تفسير القرطبي (صفحة 5116)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) أَيْ قُلْ يا محمد إذا كَفَرْتُمْ مَعَاشِرَ الْمُشْرِكِينَ بِهَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ" فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ" لِيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا لَكُمْ فِي الْكُفْرِ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فِي أَنَّهُمَا سِحْرَانِ. أَوْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ هُوَ أَهْدَى مِنْ كِتَابَي مُوسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَهَذَا يُقَوِّي قِرَاءَةَ الْكُوفِيِّينَ" سِحْرانِ"." أَتَّبِعْهُ" قَالَ الْفَرَّاءُ: بِالرَّفْعِ، لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَكِتَابٌ نَكِرَةٌ. قَالَ: وَإِذَا جَزَمْتَ- وَهُوَ الْوَجْهُ- فَعَلَى الشَّرْطِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) يا محمد أن يَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) أَيْ آرَاءَ قُلُوبِهِمْ وَمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ وَيُحَبِّبُهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، وَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ. (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) أَيْ لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) أَيْ أَتْبَعْنَا بَعْضَهُ بَعْضًا، وَبَعَثْنَا رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" وَصَلْنَا" مُخَفَّفًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: مَعْنَى" وَصَّلْنا" أَتْمَمْنَا كَصِلَتِكَ الشَّيْءَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَالسُّدِّيُّ: بَيَّنَّا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَصَّلْنَا. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَصَلْنَا لَهُمْ خَبَرَ الدُّنْيَا بِخَبَرِ الْآخِرَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ. أَهْلُ الْمَعَانِي: وَالَيْنَا وَتَابَعْنَا وَأَنْزَلْنَا الْقُرْآنَ تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا: وَعْدًا وَوَعِيدًا وَقَصَصًا وَعِبَرًا وَنَصَائِحَ وَمَوَاعِظَ إِرَادَةَ أَنْ يَتَذَكَّرُوا فَيُفْلِحُوا. وَأَصْلُهَا مِنْ وَصْلِ الْحِبَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ مَا بَالُ ذِمَّةٍ ... وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ مَا يَزَالُ يُوَصَّلُ (?)

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

دَرِيرٍ كخذروف الوليد أمره ... تقلب كفيه بخيط موصل (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015