تفسير القرطبي (صفحة 5089)

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ:" وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها". وَمَدْيَنُ لَا تَنْصَرِفُ إِذْ هي بلدة معروفة قال الشاعر (?):

رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنَزَّلُوا ... وَالْعُصْمُ مِنْ شَعَفِ الْجِبَالِ الْفَادِرِ

وَقِيلَ: قَبِيلَةٌ مِنْ وَلَدِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي" الْأَعْرَافِ" (?). وَالْأُمَّةُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ وَ" يَسْقُونَ" معناه ماشيتهم. و (مِنْ دُونِهِمُ) مَعْنَاهُ نَاحِيَةٌ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي جاء منها، فوصل إلى المرأتين قبل وصول إِلَى الْأُمَّةِ، وَوَجَدَهُمَا تَذُودَانِ وَمَعْنَاهُ تَمْنَعَانِ وَتَحْبِسَانِ، ومنه قول عَلَيْهِ السَّلَامُ:" فَلَيُذَادَنَّ (?) رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي" وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ:" امْرَأَتَيْنِ حَابِسَتَيْنِ تَذُودَانِ" يُقَالُ: ذَادَ يَذُودُ إِذَا [حَبَسَ (?)]. وَذُدْتُ الشَّيْءَ حَبَسْتُهُ، قَالَ الشاعر (?):

أَبِيتُ عَلَى بَابِ الْقَوَافِي كَأَنَّمَا ... أَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الْوَحْشِ نُزِّعَا

أَيْ أَحْبِسُ وَأَمْنَعُ وقيل:" تَذُودانِ" تطردان، قال (?):

لَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَمِيمٍ ... فَمَا تَدْرِي بِأَيِّ عَصًا تَذُودُ

أَيْ تَطْرُدُ وَتَكُفُّ وَتَمْنَعُ ابْنُ سَلَامٍ: تَمْنَعَانِ غَنَمَهُمَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَنَمِ النَّاسِ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ، إِمَّا إِيهَامًا عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَإِمَّا اسْتِغْنَاءً بِعِلْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَذُودَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الْمَاءِ خَوْفًا مِنَ السُّقَاةِ الْأَقْوِيَاءِ. قَتَادَةُ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا، قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ بَعْدَهُ" قالَتا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ" وَلَوْ كَانَتَا تَذُودَانِ عَنْ غَنَمِهِمَا النَّاسَ لَمْ تُخْبِرَا عَنْ سَبَبِ تَأْخِيرِ سَقْيِهِمَا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ. فَلَمَّا رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ مِنْهُمَا" قالَ مَا خَطْبُكُما" أي شأنكما، قال رؤية:

يا عجبا ما خطبه وخطبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015