تفسير القرطبي (صفحة 4944)

شَبَّهَ الطَّرِيقَ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ. النَّحَّاسُ: وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ لِمَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ ريع وللطريق ريع. قال الشاعر (?):

طِرَاقُ الْخَوَافِي مَشْرِقٌ فَوْقَ رِيعَةٍ ... نَدَى لَيْلِهِ فِي رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ

وَقَالَ عُمَارَةُ: الرِّيعُ الْجَبَلُ الْوَاحِدُ رِيعَةٌ وَالْجَمْعُ رِيَاعٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْفَجُّ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَعَنْهُ: الثَّنِيَّةُ الصَّغِيرَةُ. وَعَنْهُ: الْمَنْظَرَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: كَانُوا يَهْتَدُونَ بِالنُّجُومِ إِذَا سَافَرُوا، فَبَنَوْا عَلَى الطَّرِيقِ أَمْثَالًا طِوَالًا ليهتدوا بها: يدل عليه قوله" آيَةً" أَيْ عَلَامَةً. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الرِّيعُ بُنْيَانُ الْحَمَامِ دَلِيلُهُ" تَعْبَثُونَ" أَيْ تَلْعَبُونَ، أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ آيَةً. عَلَمًا تَلْعَبُونَ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَبْنِيَةِ الْحَمَامِ وَبُرُوجِهَا. وَقِيلَ: تَعْبَثُونَ بِمَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ. أَيْ تَبْنُونَ بِكُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ لِتُشْرِفُوا عَلَى السَّابِلَةِ فَتَسْخَرُوا مِنْهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهُ عَبَثُ الْعَشَّارِينَ بِأَمْوَالِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الربع الصَّوْمَعَةُ، وَالرِّيعُ الْبُرْجُ مِنَ الْحَمَامِ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ. وَالرِّيعُ التَّلُّ الْعَالِي. وَفِي الرِّيعِ لُغَتَانِ: كَسْرُ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا وَجَمْعُهَا أَرْيَاعٌ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أَيْ مَنَازِلَ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ. وَقِيلَ: حُصُونًا مُشَيَّدَةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَرَكْنَا دِيَارَهُمْ مِنْهُمْ قِفَارًا ... وَهَدَّمْنَا الْمَصَانِعَ وَالْبُرُوجَا

وَقِيلَ: قُصُورًا مُشَيَّدَةً، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا. وَعَنْهُ: بُرُوجُ الْحَمَامِ، وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. قُلْتُ: وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الرِّيعِ أَنَّهُ بُنْيَانُ الْحَمَامِ فَيَكُونُ تَكْرَارًا فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَآجِلُ لِلْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ. وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهَا مَصَانِعُ الْمَاءِ، وَاحِدَتُهَا مُصْنَعَةٌ وَمَصْنَعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:

بَلِينَا وَمَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ ... وَتَبْقَى الجبال بعدنا والمصانع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015