تفسير القرطبي (صفحة 4907)

عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللِّزَامِ هُنَا مَا نَزَلَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ ابن مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبِ وَأَبِي مَالِكٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَاللِّزَامُ. وَسَيَأْتِي مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ" الدُّخَانِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ تَوَعُّدٌ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا: اللِّزَامُ التَّكْذِيبُ نَفْسُهُ، أَيْ لَا يُعْطَوْنَ التَّوْبَةَ مِنْهُ، ذَكَرَهُ الزَّهْرَاوِيُّ، فَدَخَلَ فِي هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَلْزَمُونَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لِزَامًا فَيْصَلًا [أَيْ] فَسَوْفَ يَكُونُ فَيْصَلًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى كَسْرِ اللَّامِ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِصَخْرٍ: فَإِمَّا يَنْجُوَا مِنْ خَسْفِ أَرْضٍ فَقَدْ لَقِيَا حُتُوفَهُمَا لِزَامًا وَلِزَامًا وَمُلَازَمَةً وَاحِدٌ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ:" لِزاماً" يَعْنِي عَذَابًا دَائِمًا لَازِمًا، وَهَلَاكًا مُفْنِيًا يُلْحِقُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، كَقَوْلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ: فَفَاجَأَهُ بِعَادِيَةٍ (?) لِزَامٍ كَمَا يَتَفَجَّرُ الْحَوْضُ اللَّقِيفُ يَعْنِي بِاللِّزَامِ الَّذِي يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِاللَّقِيفِ الْمُتَسَاقِطَ الْحِجَارَةِ الْمُتَهَدِّمَ. النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ قُعْنُبًا أَبَا السَّمَّالِ يَقْرَأُ:" لَزَامًا" بِفَتْحِ اللَّامِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَكُونُ مَصْدَرَ لَزِمَ وَالْكَسْرُ أَوْلَى، يَكُونُ مِثْلَ قِتَالٍ وَمُقَاتَلَةٍ، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْكَسْرِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى". قَالَ غَيْرُهُ: اللِّزَامُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ لَازَمَ لزاما مثل خاصم خصاما، واللزام بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ لَزِمَ مِثْلُ سَلِمَ سَلَامًا أَيْ سلامة، فاللزام بِالْفَتْحِ اللُّزُومُ، وَاللِّزَامُ الْمُلَازَمَةُ، وَالْمَصْدَرُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَعَ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ، فَاللِّزَامُ وَقَعَ مَوْقِعَ مُلَازِمٍ، وَاللِّزَامُ وَقَعَ مَوْقِعَ لَازِمٍ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً" أَيْ غَائِرًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلِلْفَرَّاءِ قَوْلٌ فِي اسْمِ يَكُونُ، قَالَ: يَكُونُ مَجْهُولًا وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَكُونُ خَبَرُهُ إِلَّا جُمْلَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ" وكما حكى النحويون كان زيد منطلق ويكون المبتدأ وخبره خبر المجهول، والتقدير: كَانَ الْحَدِيثُ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مُنْطَلِقًا، وَيَكُونُ فِي كَانَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ

عَلِمْنَاهُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ وَالْحَمْدُ لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015