تفسير القرطبي (صفحة 4895)

وَقَالَ آخَرُ:

إِذَا الْمَرْءُ أَعْطَى نَفْسَهُ كُلَّ مَا اشْتَهَتْ ... وَلَمْ يَنْهَهَا تَاقَتْ إِلَى كُلِّ بَاطِلِ

وَسَاقَتْ إِلَيْهِ الْإِثْمَ وَالْعَارَ بِالَّذِي ... دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِنْ حَلَاوَةِ عَاجِلِ

وَقَالَ عُمَرُ لِابْنِهِ عَاصِمٍ: يَا بُنَيَّ، كُلْ فِي نِصْفِ بَطْنِكَ، وَلَا تَطْرَحْ ثَوْبًا حَتَّى تَسْتَخْلِقَهُ، وَلَا تَكُنْ مِنْ قَوْمٍ يَجْعَلُونَ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ فِي بطونهم وعلى ظهورهم. ولحاتم طى:

إِذَا أَنْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ ... وَفَرْجَكَ نَالَا مُنْتَهَى الذَّمِّ أَجْمَعَا

(وَلَمْ يَقْتُرُوا) قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ عَلَى اخْتِلَافِ عَنْهُمَا" يَقْتُرُوا" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، مِنْ قَتَرَ يَقْتُرُ. وَهَذَا الْقِيَاسُ فِي اللَّازِمِ، مِثْلُ قَعَدَ يَقْعُدُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَابْنُ كَثِيرٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ حَسَنَةٌ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ- التَّاءِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: كُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ. النَّحَّاسُ: وَتَعَجَّبَ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عِنْدَهُ لَا يَقَعُ فِي قراءتهم الشاذ، إنما يُقَالُ: أَقْتَرَ يُقْتِرُ إِذَا افْتَقَرَ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ" وَتَأَوَّلَ أَبُو حَاتِمٍ لَهُمْ أَنَّ الْمُسْرِفَ يَفْتَقِرُ سَرِيعًا. وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، وَلَكِنَّ التَّأْوِيلَ لَهُمْ أَنَّ أَبَا عُمَرَ الْجَرْمِيَّ حَكَى عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ إِذَا ضَيَّقَ: قَتَرَ يَقْتُرُ وَيَقْتَرُ، وَأَقْتَرَ يُقْتِرُ. فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَانَ فتح الياء أصح وأقرب تناولا، وَأَشْهَرَ وَأَعْرَفَ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالنَّاسُ" قَواماً" بفتح القاف، يعنى عدلا. وقرا حسان ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ:" قِوَامًا" بِكَسْرِ الْقَافِ، أَيْ مَبْلَغًا

وسدادا وَمِلَاكُ حَالٍ. وَالْقِوَامُ بِكَسْرِ الْقَافِ، مَا يَدُومُ عليه الامر ويستقر. وهما لُغَتَانِ بِمَعْنًى. وَ" قَواماً" خَبَرُ كَانَ، وَاسْمُهَا مُقَدَّرٌ فِيهَا، أَيْ كَانَ الْإِنْفَاقُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْقَتْرِ قَوَامًا، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ يَجْعَلُ" بَيْنَ" اسْمَ كَانَ وَيَنْصِبُهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كَثِيرٌ اسْتِعْمَالُهَا فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَا أَدْرِي مَا وجه هذا، لان" بينا" إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ رُفِعَتْ، كَمَا يقال: بين عينيه أحمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015